أبحاثالتاريخ وعلم السياسة والاقتصاد

التّأثير المتبادل بين اقتصاد قضاء بعلبك وهويّته المكانيّة

التّأثير المتبادل بين اقتصاد قضاء بعلبك وهويّته المكانيّة

The mutual influence between the economy of Baalbek District and its spatial identity

د. راغدة شمص

Raghida shamas Dr.

تاريخ الاستلام 4/4/ 2025                                    تاريخ القبول 25/4/2025

لتحميل البحث بصيغة PDF

ملخص

يتناول المقال التّأثير المتبادل بين اقتصاد قضاء بعلبك وهويّته المكانيّة، مع التّركيز على أهمّيّة العلامات التّجاريّة في ترسيخ هذه الهويّة، وقد أبرز دور العلامات التّجاريّة في تنمية القطاعات الإنتاجيّة، ومنح المستثمرين تفوّقًا تنافسيًّا، فضلًا عن كونها وسيلة فعّالة لترويج المنطقة ومنحها ميزة نسبيّة.

وفي هذا السّياق، وضعت خطط استراتيجيّة للقطاعات الاقتصاديّة الثّلاثة في الزّراعة والصّناعة والسّياحة، تمّ خلالها استخدام خطّة الضّغوط- القوّة الدّافعة- الأثر-  الاستجابة في كلّ قطاع؛ وخلصت النّتائج الى أنّه على الرّغم من الضّغوط الكبيرة يمكن تطوير اقتصاد المنطقة من خلال الرّموز التي تدخل في تطوّر الصّناعات الغذائيّة وجعلها مرجعًا جغرافيًّا على مستوى لبنان، علمًا أنّها على علاقة مترابطة ومتكاملة مع الرّموز السّياحيّة  التي تعدّ من أهمّ الرّموز القائمة، وركيزة الاقتصاد في المنطقة، ممّا يمكّن من تطوير هويّة المنطقة وتحسين سمعتها، وجذب الاستثمارات فيها.

résumé

Cet article examine l’interaction entre l’économie du district de Baalbek et son identité régionale. Il souligne l’importance des marques pour renforcer l’identité, développer les secteurs productifs et fournir un avantage concurrentiel et commercial aux investisseurs.

Dans ce contexte, des plans stratégiques ont été élaborés pour les trois secteurs économiques de l’agriculture, de l’industrie et du tourisme, au cours desquels le plan pression-force motrice-impact-réponse a été utilisé dans chaque secteur.

Les résultats ont conclu que malgré les fortes pressions,  L’économie de la région peut être développée à travers les symboles qui entrent dans le développement des industries alimentaires et les rendent Point de référence géographique à l’échelle du Liban, il entretient une relation interconnectée et intégrée avec les symboles touristiques qui sont considérés parmi les symboles existants les plus importants et un pilier de l’économie de la région, ce qui permet le développement de l’identité de la région, l’amélioration de sa réputation et l’attraction des investissements.

 

مقدّمة

تتميز المنطقة بمساحتها وموقعها الجغرافيّ وتعدّد مقوّماتها الطّبيعيّة والبشريّة للسّياحة والزّراعة والصّناعة، ممّا يسمح بتنوّع المنتجات في ظلّ وجود قطاع خاصّ يسهم في الاستثمار.

إنّ تحديد المنتجات يشكّل الخطوط العريضة للهويّة الاقتصاديّة لوضع استراتيجيّة تخطّط لتنمية مستدامة، وتتكامل هذه الهويّة مع عناصر ثقافيّة وتاريخيّة ودينيّة ومجتمعيّة وسياسيّة وحضاريّة راسخة؛ فهي بنية تواصليّة تتفاعل مع محيطها، وتستند إلى عمق الانتماء الذي يكنّه السّكّان لمناطقهم، كما يسهم الانفتاح في إثراء استهلاك المنتجات ذات الهويّة التي يعتمد عليها  بدرجة كبيرة، علمًا أنّ تلك المنتجات يمكن إنتاجها في المنطقة والتّوسّع في تطوير ما هو قائم منها؛ ومن هنا، تبرز المنتجات المحلّيّة بوصفها وعدًا تنمويًّا ملحًّا وقيمة تستحقّ الاستثمار.

الإشكاليّة

ومن هذا المنطلق، تتبلور أسئلة البحث الرّئيسة:

– كيف يسهم ضعف هوية المنتجات في سياق بناء استراتيجيّة اقتصاديّة في ضعف التّنمية المستدامة، ماهو تأثير هوية المنطقة في الاستثمار وكيف يؤثر تطوير هوية المنتجات في تنمية المنطقة؟

– ماهي التّحديّات التي تمنع تكوين هوية اقتصاديّة إن كان في الحدّ من المشاكل أو الاستفادة من الفرص؟

– كيف يمكن التّخطيط لهويّة اقتصاديّة ضمن سياق حلّ المشاكل التّنمويّة القائمة؟

الفرضيّات

– تسهم ﻣﻴﺰات ﺗﻔﺎﺿﻠﻴّﺔ للمنتجات في اﺳﺘﻘﻄﺎب لمختلف اﻟﻨّشاطات اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳّﺔ وﺗﺰيد أهمّيّتها في استقطاب اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳّﺔ واﻟﻨّشاطات والخدمات واستقرار السّكّان.

– تسهم الخصوصيّات التي يتميّز بها اقصاد المنطقة في تحديد هويّة المنطقة اﻟتي ﺗﻔﺮض ﺗﻮجّهًا اﻗﺘﺼﺎديًّا زراعيًّا، وزراﻋﻲًّا ﺻﻨﺎﻋﻲًّا فيها، فيسمح ببناء قطب تنمويّ يحقّق التّنمية المستدامة.

– بناء اقتصاد قادر على إنجاز تنمية مستدامة، يكون قوامه هويّة محدّدة وقدرات ذاتيّة  ترتبط بإرادة النّاس في تحقيق الأهداف المشتركة وترفع من نشاطهم ومشاركتهم.

– يوضّح تحديد الهويّة توجّه سكّان المنطقة نحو منحى وطبيعة الاستهلاك والإنتاج، ويعزّز تأهيل التّراث اقتصاد المنطقة.

الأهمية

– تحديد خيارات المنطقة للمناحي السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، ووضع خططها الاستراتيجيّة يؤدّي إلى تحقيق التّنمية المستدامة والاستقرار الاقتصاديّ.

– أيديولوجيا[1] الخصوصيَّات الهويَّاتيَّة الجديدة تتمثّل في التّنمية الاقتصاديّة، وهذا يدلّ على أهمّيّة اقتران الهويّة المحليّة للمنطقة بالتّنمية.

– تحدّد الهويّة الاقتصاديّة من خلال العلامات المحليّة المميّزة التي تعبّر عن خصوصيّة المنطقة، وتمنح منتجاتها وخدماتها طابعًا متفرّدًا يميّزها عن غيرها، بشكل يتناسب مع انطباع السّكّان في شتّى القطاعات، مع ضرورة عدم تغيير تلك العلامة التي تتعرّض إلى منافسة شديدة مع ظهور العلامات الاقتصاديّة نتيجة الانفتاح والعولمة، فهي تشكّل المفتاح الاساس للتنمية.

– تخضع الهويّة لمقاربة تطوريّة مستمرة، وتعزّز الاستفادة من الانفتاح، والشّعور بالانتماء، وتزيد الرّغبة في الاستشمار ويتمّ تطوير منتجاتها وأماكنها  كرموز تُلصق بهوية المنطقة، وتعدّ هذه المعايير من المؤشّرات الرّمزيّة المحليّة التي تكوّن شبكة من الانتماءات المناطقيّة المتداخلة التي تشكّل الأساس لهويّتها الخاصّة.

الأهداف

– تحديد الإمكانيات الطّبيعيّة والبشريّة التي تجعل من المنطقة صناعيّة أو زراعيّة أو سياحيّة.

– تحديد العلامات التّجاريّة في القطاع السّياحيّ والعلامات التّجاريّة في القطاع الزّراعيّ والقطاع الصّناعيّ ذات الصّلة بالسّياحة، فجرى التّركيز على الصّناعات الغذائيّة والزّراعات التي تدخل فيها، علمًا أنّها المهمّة حاليًّا في هذين القطاعين؛ لتشكّل هذه الخطّة مدماكًا أساسيًّا ترتكز عليه عمليّة التّنمية، وتستكمل لاحقًا في جميع المجالات، مستفيدة من ارتباط المقيمين بالمنطقة، ومن دعم المهاجرين والنّازحين سواء عبر الانتماء أو تحويل الأموال والاستثمار في الجذور.

أولا .الإطار النّظريّ للدّراسة

  1. 1. تقديم المنطقة

تبلغ مساحة قضاء بعلبك 2278 كلم2 اي ما يقارب ربع المساحة الإجماليّة للبنان، يضمّ 102 قرية و58 بلدية، ومدينة بعلبك تمثّل مركز محافظة بعلبك الهرمل؛ وتبعد عن بيروت 86 كلم، يقع قضاء بعلبك ما بين القمم الشّماليّة السّفوح الشّرقيّة لسلسلة جبال لبنان الغربيّة والسّفوح الغربيّة لسلسلة جبال لبنان الشّرقيّة، تتنوّع فيه  المناخات مابين مناخ الرّطب البارد في السّفوح الشّرقيّة للسّلسلة الغربيّة والمناخ الجافّ المعتدل في سهل المنطقة والمناخ شبه الصّحراويّ….

تحدّه من الشّمال والشّرق الحدود مع سوريا، ومن الغرب قضاء الهرمل، وقضاء الضنّيّة وقضاء بشرّي وقضاء البترون وقضاء جبيل وقضاء كسروان، ومن الجنوب الحدود مع سوريا وقضاء زحلة.

يبني سكان المنطقة معرفة جماعيّة حول القطاعات الإنتاجية على مرّ السّنوات، متجذّرة في تراثهم الطّبيعيّ والبشريّ، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأراضيهم الزّراعيّة وحرفهم التّقليديّة المتوارثة عن الأجداد؛ فيترسّخون بأرضهم، وتتعزّز روابط التّضامن العضويّ حول المصائر والهويّة والتّاريخ والتّنمية الجماعيّة.

2.1. الهويّة الاقتصاديّة

تشمل الهويّة الاقتصاديّة تفاعل الموارد الطبيعيّة مع سكّان المنطقة، وتنوّع القطاعات الاقتصاديّة فيها، إلى جانب حجم الإنتاج وطبيعة هياكله، وتوجّهات المنتجين، وتفضيلات المستهلكين وغيرها؛ فبوجود هذه العناصر تنمو الهويّة الاقتصاديّة وتنضج وتتّجه نحو مزيد من التّكامل والتّماسك.

تمنح الهويّة السّكّان شعورًا بالانتماء، وتحدّد أبعاد التّخطيط النّاجح للتّنمية المستدامة، (كيتنغ ، 1998).  وكلّما كانت هوية المنطقة بالنّسبة إلى السّكّان أقوى، زاد ميلهم إلى التّعبئة للقيام بأنشطة والمساهمة في تحسين نوعيّة الحياة فيها.

يبيّن المقال كيف تسهم الهويّة، عند دمجها في القطاعات الإنتاجيّة في تعزيز التّنافسيّة وجذب الاستشمارات، كما يستعرض الخطط الضّروريّة لإدارة التنمية المستدامة في المنطقة، ويعدّ تطبيق الهويّة في خطط التّنمية حافزًا على إنجاح أهدافها، إضافة إلى بناء بنية تحتيّة وتعزيز التّصنيع وخلق فرص عمل أفضل للمستثمرين وكسب المنتجات سمعة جيدة يمكن التّرويج لها.

3.1. منهجيّة الدّراسة

 1.3.1.أهمّيّة الجاذبيّة في تنمية المنطقة

تعدّ الجاذبيّة الهدف الرّئيس للهوية، وهي تتأثّر بجملة من العوامل، منها الموارد الطّبيعيّة والقرب منها، والموقع الجغرافيّ والمورفولوجيا والمناخ، كما تتأثّر بالعادات والتّقاليد والأعراف التي بدأت تتراجع نسبيًّا في ظلّ استراتيجيّات المنافسة والمشاريع الاقتصاديّة وسياسات التّعاون والتّواصل التي تعد ركيزة أساسيّة لإنجاح أيّ سياسة تهذف إلى تعزيز الجاذبيّة، من خلال بلورة السّمات المميّزة للمنطقة؛ تتناول الهويّة استراتيجيتين رئيستين لتطوير الهويّة لأهداف الجاذبيّة هما:

  • إعطاء العلامة التّجاريّة

هي استراتيجية ترويجيّة تقوم على سمات الهويّة، تخلق قيمة مضافة للمنتجات والخدمات فتزيد من جاذبية المنطقة كمكان للعمل والعيش وقضاء وقت الفراغ (فان هام، 2001)، وذلك بهدف خلق صورة أو سمعة أكثر تميّزًا، ممّا يساعد على زيادة القدرة التّنافسيّة الإقليميّة، وإضفاء الطّابع المحليّ عليها من أجل تثمين تلك الاماكن، ويتفاعلون معها ويدركون هويّتهم من خلال التّواصل والتّفاعل.

وقد ارتأيت أن يرتكز هذا المقال بصوررة أساسيّة على الهويّة التّنافسيّة بسبب الدّور الكبير التي أدّته في اقتصاديّات بعض المناطق في العالم التي ازدهرت بفعل العلامات التّجاريّة المنافسة عالميًّا في أحد منتجاتها.

  • التّعاون والهويّة التّنافسيّة

هي استراتيجيّة تقوم على إنجاز الأمور بشكل جماعي؛ وهي تتجسّد في قدرة السّكّان والمعنيين والبلديّات واصحاب المصلحة والجمعيّات على التّعاون وتوظيف واستخدام العلاقات الاجتماعيّة لتحقيق منفعة مشتركة وتأمين الاسواق الدّاخليّة، فيظهر إحساس أقوى بالهويّة المشتركة، فتتعزّز الثّقة والتّعاون.

 

2.3.1.الاستفادة من دراسات ذات صلة في إطار العلامة التّنافسيّة، وتطبيق آليّتها في المنطقة

جرى الاستفادة من تجارب بعض أهمّ المشاريع الرّيفيّة في العالم التي حقّقت جاذبيّة كبيرة، من خلال اعتماد مؤشّر جغرافيّ للمنتجات، يضمن ارتباط اسم المنتج بأصله الجغرافيّ؛ وقد مكّن هذا المؤشّر المزارعين من إنشاء علامات تجاريّة خاصّة بهم، وتصدير منتجاتهم عالميًّا، ممّا شجّع على زيادة الإنتاج وخلق فرص عمل جديدة، كما أسهم في تحويل سمعة المنتج إلى فرصة تجاريّة في قطاع السّياحة، ممّا عزّز من هويّة المنطقة بعد أن أصبحت هويّة المنتجات لصيقة بها، وفتح آفاقًا استثماريّة واعدة في كافّة المجالات. ومن أهمّها:

– زراعة الفلفل في كمبوديا التي أصبحت مدينة عريقة تنتج مئات الأطنان سنويًّا بعد أن كانت قرية صغيرة، وكذلك ديلماه الشاي التي حوّلت أربعة أكواخ تقدّم الشّاي إلى اربعة فنادق فخمة.

– مشروع “غامبيا” ومشروع “الطريق المسرحي” في المكسيك الذي يجمع بين الفنّ المسرحيّ والسّياسة الثّقافيّة، ممزوجًا بالإطار التّاريخيّ وباهتمامات الزّوّار.

4.3.1. معالجة البيانات الكيفية في اطار (الضغط- الحالة- التأثير-الاستجابة)

من أجل دراسة اتّجاه الهويّة وكيفيّة ترسيخها، لا بدّ من تحليل العلاقة المتبادلة بين العوامل المختلفة المؤثّرة على اقتصاد المنطقة؛ ويقتضي ذلك أن يستجيب سكّان المنطقة للقوى الدّافعة والمتغيّرات أو الحالات أو التأثيرات الطّارئة، سواء عبر التّكيّف مع المستجدّات أو من خلال تنفيذ التّدابير اللّازمة؛ وتتضمن:

– الضّغوط وهي العوامل السّلبيّة، والقوّة الدّافعة وهي العوامل الإيجابيّة.

– الحالة: الوضع الرّاهن للرّموز في كلّ قطاع.

– التّأثير: التّغيّرات التي طرأت.

– الاستجابة: أهمّيّة الرّموز في القطاعات الاقتصاديّة ودورها في ترسيخ الهويّة.

ثانيًا- قطاع الزّراعة العلامات التّجاريّة لبعض المنتجات تحمل هويّة المنطقة

1.2.الحالة

تأخذ المنطقة هويّة ريفيّة منفتحة ومرتبطة بالهويّة المحلّيّة، ترتبط بالزّراعة، وتتولّد فيها ممارسات جماعيّة متجذّرة في الأرض، تشكّل المنتجات ذات الشّهرة أو العلامة التّجارية أحد أبرز رموز هويّتها التي تسهم في  تطوير الزّراعة والقطاعات الحرفيّة والسّياحيّة والخدماتيّة في علاقة تنمويّة متكاملة.

يرتبط أحد جوانب هويّة المنطقة بتلك المنتجات التي تشكّل جزءًا أساسيًّا من تراث المنطقة، ومع الانفتاح الكبير وتفاعلها مع العولمة استطاعت المنطقة أن تطوّر هذا الجانب من خلال تنويع منتجاتها وزيادة إنتاجيتها، وتوسيع مساحاتها الزّراعيّة؛ وأهمّ تلك المنتجات:

– التّفّاح الجردي: تفّاح اليمّونة، عنب عيناتا الذي يُستخرج منه العرق الشّهير؛ هذه المنتجات تعدّ مميّزة في المنطقة بفضل توفّر العوامل الأساسيّة لنموّها، من إمدادات المياه الوفيرة والظّروف المناخيّة والطّبوغرافيّة التي تسمح للثّمار بالنّضوج؛ كما يمكن زراعتها في مساحات جبليّة صغيرة؛ لذلك تعدّ النّشاط الرّئيس للعديد من المنتجين، ويشهد هذا القطاع نموًّا متزايدًا عامًا بعد عام.

– مزارع العنب التي تمتد لمئات الهكتارات في المنطقة؛ تعدّ منطقة بعلبك – الهرمل أوّل محافظة في إنتاج العنب في لبنان، وتتمركز زراعته في إيعات ويونين وعيناتا. وتمتاز هذه الزّراعة بتنوّع أهدافها، من الاستهلاك المحليّ إلى الاستخدام الصّناعيّ، ولا سيّما في إنتاج الخمور التي تعدّ من أبرز الصّادرات الغذائيّة. وقد اعتاد المزارعون على زراعة العنب بفضل جودة ثماره ومذاقه المميز، وتنتج المنطقة أطنانًا من العنب سنويًّا. ونظرًا لهذه الخصوصيّة، منحت منتجات العنب  مؤشّرًا جغرافيًّا خاصًّا، فجعل منها منتجًا ممتازًا يتمتّع بصادرات متزايدة، في ظلّ التّوسّع المستمرّ في زيادته.

منتجات أخرى ذات علامة تجاريّة: كرزّ الملوك، المعروف بقساوة قشرته ولونه الأحمر الباهر، إضافة إلى “تين يونين”، و”جوز نحلة” و”مشمش بتدعي المتأخر”، وتدرّ أرباحًا عالية، ويمكن توسيع زراعته من خلال استصلاح الأراضي الجبليّة. كما تشتهر المنطقة بالثّمار البريّة، مثل السّمّاق في بوداي الذي يتميّز بحموضته العالية واللّون الأحمر القاني؛ أمّا في ما يخصّ تربية النّحل، فينتج العسل السّنديانيّ والعسل الشوكي عالي الجودة في بلدات معربون وحام ودار الواسعة واليمونة.

وتنفرد بلدتا دار الواسعة واليمونة بتربية السّمكة الذّهبيّة، وهي من الأنواع المتميّزة على مستوى لبنان، إضافة إلى ذلك، تزرع في بعض مناطق بعلبك “حشيشة الكيف” التي تعدّ من أجود الأنواع في العالم، ويمكن للدّولة أن تستثمرها قانونيًّا في مجال تصنيع الأدوية، فتدرّ أرباحًا لا تقلّ عن المليار دولار.

2.2. الضغوط والقوة الدافعة: تتأرجح هوية المنتجات ذات العلامة التّجاريّة بين الإيجابيّ والسّلبيّ  بحسب الضّغوط والقوى الدافعة.

1.2.2. الضّغوط

تحدّيات إثبات هويّة المنتجات الزّراعيّة وربطها بالمنطقة بسبب:

 الأراضي الزّراعيّة

–  تشهد المنطقة تراجعًا في مساحاتها، بسبب ترك العديد من الأراضي ذات الزّراعات البعليّة بورًا، في ظلّ التّمدّد العمرانيّ على مئات الهكتارات الزّراعيّة، وارتفاع نسبة الأراضي المصابة بالتّصحّر وانخفاض ناتج العمل الزّراعيّ، وانخفاض مساحة الزّراعات العلفيّة إلى المساحة العامّة؛ لأنّها أكثر كلفة من المستوردة.

– تحدّيات مشكلات الضّم والفرز التي أسهمت في تمنّع المصارف عن تسليف القروض الزّراعيّة التي تُعطى للمزراعين الذين يمتلكون 2400 سهم وأكثر وغياب التّسليف الزّراعيّ النّاتج من مشكلة فرز الأراضي مع تفتّت الملكيّات.

يواجه المزارعون آثار سياسة الإهمال المتراكمة، سواء تجاه منطقتهم أم تجاه قطاع الزّراعة عمومًا في لبنان، في ظلّ غياب التّخطيط السّليم وغياب العمل التّعاوني الفاعل، فأدّى إلى تعقيد تأمين معايير الجودة لضمان هويّة المنتجات؛ وذلك بسبب:

– المنافسة الأجنبيّة ومشكلة تسويق المنتجات في ظلّ بُعد الأسواق عن الأماكن الزراعيّة نسبيًّا.

– التّكاليف الصّناعيّة المرتفعة وانخفاض إمكانيّة التّوسّع، وعدم دعم أو ضبط أسعار الأسمدة والأدوية والبذار للمزارعين وارتفاع أجرة اليد العاملة السّوريّة وتدنّي استخدام المكننة الزّراعيّة المتطوّرة نسبيًّا.

– انخفاض إنتاجيّة المتر مكعب من المياه المستخدمة في الزّراعة، وتراجع منسوب المياه الجوفيّة بسبب زيادة الضّخّ مع تغير المناخ، وتزايد عدد الآبار وجفاف الينابيع الموسميّة مبكّرًا.

2.2.2.- القوة الدافعة  

الأراضي

– تشكّل الأراضي الزّراعيّة مساحة إنتاجية ذات بعد هويّاتي وأيديولوجيّ، ترتبط بجذور الانتماء المحليّ، وتتداخل فيها هويّة المنتجات الزّراعيّة مع خصوصيّة الأرض في ظلّ سياق العولمة الاقتصادية والتّحضّر.

– إعادة استخدام بعض الأراضي المتروكة، وزيادة مساحات واسعة من الأراضي المروية المستصلحة في السّفوح الجرديّة لبلدات عيناتا ودير الأحمر وبرقا التي تشغلها حاليًّا زراعات ذات علامة تجارية مميّزة.

– يوجد عشرات الهكتارات من المراعي الجيدة أو التي تم استزراعنها لآلاف رؤوس الأغنام والماعز التي تتنامى سنويًّا فهي تتميّز بلبنها كونها ترعى الأعشاب البرية وشكّلت منتجاتها علامة تجاريّة في متاجر بيروت وبعلبكّ والفرزل.

– بالنسبة إلى المزراعين:

لا تزال الزراعة مصدرًا مهمًّا للدّخل في اقتصاد المنطقة، كما تشكّل الزّراعة مهنة أساسيّة أو ثانويّة ضروريّة مع عملهم الأساسيّ لسدّ حاجاتهم من الإنفاق.

– أكثر من نصف سكّان المنطقة يملكون أراضي زراعيّة بمساحات مختلفة، حيث يأخذون لقب المزارعين، وهي صورة رمزيّة للارتباط بالأرض؛ وبالتّالي تنتمي الزّراعة إلى قسم كبير من المقيمين في المنطقة.

– تعلّق المزارعين بالأرض، إضافة إلى التّوسّع في اعتماد الرّيّ بالتّنقيط أو الرّذاذ أو الرّشّ حسب نوع المحصول، ووجود بنك بذور في تلّ عمارة.

– اعتماد التّطعيم للأصناف البريّة بعد زراعتها بسبب مقاومتها العالية للآفّات والأمراض، مع التّوسّع في زراعة الأصناف الجديدة ذات الجودة العالية، والزّراعات الغذائيّة التي يمكن تصنيعها، إضافة إلى التّوسّع في الزّراعات الحافظة والزّراعات العضويّة التي تحظى باستهلاك جيد في متاجر بيروت، في ظلّ التّوسّع في استخدام الأسمدة الطبيعيّة، وتشهد مزارع الدّواجن والمواشي نموًّا مستمرًّا على الرّغم أنّها لا تزال غير كافية لتلبية الطّلب.

3.2. الأثر: أهمّيّة العلامة التّجاريّة في هويّة المنطقة وفي التّنمية

– استطاعت تلك المنتجات إبراز العلامة التّجاريّة الخاصّة بها، فتروّج لها وتعزّز نطاق توزيعها على مستوى لبنان والمنطقة، وهي تمتلك القدرة على إضفاء طابع رسميّ، يمكّن من نشرها وتخصيصها من قبل مختلف أصحاب المصلحة؛ وقد أظهرت العلامة التّجاريّة الإقليميّة خصوصيّة تعبّر عن قدرة المنطقة على الابتكار والتّكيّف المتأصّل في هويّتها.

– أمّنت هذه المنتجات وظائف جديدة داخل المنطقة، لا سيّما في محيط المصانع الصّغيرة المتخصّصة في إنتاج النّبيذ، وقد اكتسحت منتجات مزارع العنب متاجر الأسواق، من متاجر البيع بالتّجزئة والمتاجر الكبيرة. وأضحت المنطقة وجهة سياحيّة رئيسة، تتيح للسّيّاح فرصة التّعرّف إلى المزارع التّقليديّة وطرق صناعة المنتجات المتوارثة عبر الأجيال؛ وهكذا برزت المنتجات الزّراعيّة مثل العنب والتقاح بين أكثر الأنواع استهلاكًا، وأضحت العلامة التّجاريّة دليلًا للمستهلكين على جودة المنتج وارتباطه بهويّة المكان.

– أسهمت هذه المنتجات في تنشيط الحركة التّجاريّة عبر فتح المحلّات التّجاريّة الغذائيّة وغير الغذائيّة، خاصّة في البلدات التي تعتمد بدرجة كبيرة على الدّخل الزّراعيّ، مثل بوداي والسّعيدة ودير الأحمر والكنيسة، كما أسهمت تحويلات المغتربين وخبراتهم في تطوير المنتجات الزّراعيّة، وتوسيع نطاق الصّناعات الغذائيّـة، فوفّرت قنوات جديدة للتّعرّف على أنماط الاستهلاك والسّلوك في مجتمعات الاغتراب؛ وقد شكّلت هذه التّحويلات، بما تحمله من دعم ماليّ ورؤى متجدّدة عاملًا رئيسًا في تعزيز النّموّ، واستحداث فرص العمل، وتشجيع التّنمية الرّيفيّة.

تؤمّن هذه المنتجات حاجات الأسر الغذائيّة، إذ تشكّل حوالي 45% من إجمالي إنفاقها؛ ومن هنا، تبرز أهمّيّة تطوير هذا القطاع الحيويّ. وتنتج معظم هذه الحاجات محليًّا في المنطقة، وتشمل الخضار والفاكهة والحبوب والخبز،  إلى جانب الألبان والأجبان والبيض واللّحوم من مزارع الأغنام والماعز والأبقار والدّواجن المنتشرة في البلدات. وتعدّ المنتجات المحلّيّة ذات العلامة التّجاريّة مصدرًا للمونة ولا يمكن الاستغناء عنها للمقيمين والنازحين، علمًا أنّ معظم النازحين يتوجّهون خصّيصًا أسبوعيًّا أو شهريًّا لأخذ حاجاتهم منها، وذلك لثقتهم الكبيرة بجودتها وثمنها المناسب.

4.2. الاستجابة

– إمكانية التّوسّع في إنتاج المنتجات الزّراعيّة الاستراتيجيّة، فتتعزّز الإنتاجيّة من دون المساس بجوهر الزّراعة بوصفها تراثًا ملازمًا لهويّة المنطقة، لا سيّما في زراعة التّفّاح والعنب. وتتميّز بعض البلدات بأنواع معيّنة تمنحها خصوصيّة ضمن النّسيج الزّراعيّ العامّ. ويأتي هذا في ظلّ توفّر إمكانات مادّيّة داعمة من المهاجرين والنازحين، إلى جانب الثّقة التي تحظى بها المنتجات المحلّيّة ذات العلامة التّجاريّة من قبل السّكّان داخل المنطقة وخارجها.

– إمكانية التوسع في الصّناعات الغذائيّة وتطويرها مع ازدياد وتيرة الزّراعات الأكثر أهمّيّة في المنطقة، ولا سيّما تلك التي تكتسب طابعًا صناعيًّا مثل زراعة العنب. ويعدّ تفعيل العمل التّعاونيّ بين البلديّات والجهات المعنيّة والمزارعين ركيزة أساسيّة في هذا المسار، إذ يسمح بجذب استثمارات النازحين والمهاجرين، ويسهم في تنشيط السّياحة الريفيّة، وتشغيل العشرات من اليد العاملة.

– تشجيع توجّه السّكّان صوب المنتجات البلديّة والابتعاد عن المنتجات المصنّعة خطوة في تعزيز المنطقة، إذ تتجسّد هوية المنتجات في ارتباطها الوثيق بتراث الأرض وموروثها الزّراعيّ؛ وبما أن المنطقة تشتهر ببعض المنتجات، فإنّ سكّانها يعيشون في حالة تفاعل دائم مع بيئتهم، حيث يتكامل التّنوّع الحيويّ مع المناظر الطبيعيّة والنّظم المعرفيّة والثقافيّة، وتؤكد هذه الأنشطة الإنتاجية على أهمّيّة الحفـاظ علـى التّقاليـد الزّراعيّة بوصفها عنصرًا أساسيًّا في صون التّماسك الثّقافي والاجتماعيّ للمنطقة.

ب- توافق الاستراتيجيّات مع الأهداف

– تسهم هويّة المنتجات في جذب الاستثمارات والسّيّاح، من خلال الانطباعات الإيجابيّة التي يتركونها وراءهم، فيتعزّز تطابق الصورة المدركة للمنتج مع رغبات السّكّان وتطلّعاتهم. كما تعدّ هذه المنتجات مصدرًا رئيسًا من مصادر النّقد الأجنبي، ترفد به خطط التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة لما تمثّله من محاصيل استراتيجيّة تشكّل إحدى الدّعامات الأساسيّة للبنيان الاقتصاديّ للمنطقة.

– تتميز بعض البلدات بمنتجات استراتيجية باتت تشكّل جزءًا من هويّتها، وتُعرف بها على صعيد محافظة البقاع بأكملها؛ وقد امتدّت هذه الهويّة  إلى مناطق نزوح سكّانها لا سيّما في بيروت، حيث تتركّز الأسواق الاستهلاكيّة التي تستقبل هذه المنتجات بكثافة، ممّا يستدعي ضرورة وضع مخطّط توجيهيّ لتوزّع الزّراعات في منطقة بعلبك.

ثالثًا: الصّناعة الحرفيّة

يُعدّ التّراث الثّقافيّ وتنوّع التّقاليد والمهارات المتعلقّة بالحرف اليدوية، رافعة قويّة لجذب السّيّاح، ومحرّكًا أساسيًّا في مسار التنمية المستدامة. وغالبًا ما تقام هذه الحرف ضمن إطار الأسرة والمجموعات المحليّة، فتسهم في توفير بيئة عمل آمنة، وتعزيز الشّعور بالانتماء والهويّة.

وفي هذا القسم سنركز على المنتجات الغذائية لما تحمله من علامة تجارية مميّزة، وما تمثّله من ركيزة أساسيّة في تطوير السّياحة وتعزيز الهويّة المحليّة؛ فإمكانيّة تطوير هذه المنتجات وتوسيع نطاقها أكبر وأشمل مقارنة بالمشروعات الحرفيّة الأخرى، فيجعلها مرشّحة لأن تكون مفتاحًا حقيقيًّا لتحقيق التّنمية الرّيفيّة الشّاملة في المنطقة.

1.3. الحرف غير الغذائية

1.1.3. الحالة

عرفت المنطقة الكثير من الصناعات الحرفية التي اشتهرت بتنوّعها وغناها وتفرّدها وأهمّها صناعة السّجّاد، والخزف والعمارة والمنسوجات والأواني الفخاريّة وصناعات السّلال الخشبيّة بأنواعها المختلفة والمشغولات الفضيّة والذّهبية وصناعة الجلود والصّناعات الخشبيّة والتّطريز وصناعة الزّجاج.

2.1.3. الضغوط والقوة الدافعة

أ-  الضغط:

– تشهد هذه المنتجات حاليًّا تراجعًا كبيرًا بسبب تطوّر نمط الحياة اليوميّة، ومنافسة الصّناعات الحديثة التي تعتمد الآلة والتّكنولوجيا المتطوّرة.

– هذه المنتجات موجّھة بشكل رئیس نحو سوق محافظة بعلبكّ؛ ذلك لأنّ المنشآت الصّناعیّة صغیرة في طاقاتھا الإنتاجیّة لا تلبّي طلب الأسواق الخارجیّة.

ب- القوّة الدّافعة

– يؤدّي استثمار الموارد الطّبیعیّة والبشریّة إلى توطين الصّناعات الحرفيّة وتوسيعها، في ظلّ عوامل خارجیّة وداخلیّة متعدّدة.

– يعدّ سنديان المنطقة من أجود أنواع السّنديان في لبنان لا سيّما في صناعة الموبيليا،  ويتيح إمكانيّة جمع الورش الحرفيّة في مصانع كبيرة يعمل فيها أصحاب تلك الورش.

2.3. الحرف الغذائيّة

1.2.3. الحالة

تعد المنطقة موطنًا للعديد من العلامات التّجاريّة المرتبطة بالمنتجات الغذائيّة، وتضم عشرات الورش التي شكّلت مع مرور الوقت هيكلًا زراعيًّا غذائيًّا، سمح بتوحيد الاستهلاك، وزيادة عدد الورش التي تؤثّر على السّوق المحليّة؛  كما أنشئت مصانع غذائية تعتمد بمعظمها تتميز على المدخلات المحلّيّة؛ لذلك، فهي من أنجح الصّناعات القادرة على تنمية المنطقة وتعزيز الإحساس بهويّتها.

– تضم المنطقة 160 ألف رأس من الأغنام والماعز، ترعى في المراعي الطبيعيّة التي تمتدّ على مئات الهكتارات، فتوفّر كلفة الأعلاف لمدّة تصل إلى 6 اشهر، وتنتشر فيها عشرات مزارع الأبقار التي تنتج يوميًّا عشرات الأطنان من الحليب الطّازج. ويشكّل البقاع 42% من إجماليّ مساحة الأراضي الزّراعية في لبنان، ويُعرف باسم “حوض الألبان”، ويغطّي قضاء بعلبك نصف هذه المساحة، ممّا يعزّز قاعدة صناعيّة زراعيّة متنوّعة ومتكاملة. وفي هذا السّياق، نشأت مصانع للألبان والأجبان، بعضها يحمل علامات تجاريّة مهمّة على مستوى المنطقة ولبنان، وقد طبعت بهويّة المنطقة؛ وأهمّها:

أ- صناعات غذائية تحمل هوية مناطقها على صعيد لبنان

معمل طليا: يعدّ من أفضل المعامل في لبنان، حيث إنّ تقنيّته العالية تضعه بين أضخم 13 مزرعة في العالم، تخوّله طرح الإنتاج في السّوق بأسعار متدنّية قياسًا إلى الأسعار المتداولة، ويشغل فقط 12% من طاقته الاستيعابيّة، وبإمكانه استيراد 90 مليون طنّ سنويًّا إضافيًّا من المنطقة، أو زيادة عدد المزارع التّابعة له.

معمل مزارع اللّقيس: إنتاجه أقلّ بكثير، يتميّز بهويّته السّياحيّة على مستوى المنطقة والمحيط، ويقدّم ما يصنعه من الألبان والأجبان إلى الزّبائن مباشرة  أو إلى المطاعم التّابعة له، إضافة إلى عشرات الورش التي تصنع المونة من الألبان والأجبان والشّنكليش والكشك التي تشتهر بها المنطقة على صعيد لبنان.

صناعة النبيذ: يعكس مشروب النبيذ في عيناتا تاريخ المنطقة في زراعة العنب وإنتاج النبيذ، ويمكن تسجيل تسمية  المؤشّرات الجغرافيّة الخاصّة بأنواع النّبيذ والمشروبات الرّوحيّة، ويمنح المؤشّر الجغرافيّ منتجي المنطقة أداة قيّمة، كي يضمن الزّبائن الذين يرغبون  بشرائها أصليّة ومصنوعة على الطّريقة التّقليدية، كما يعزّز العلامة التّجاريّة على الصّعيد الوطنيّ، ويعزّز التّصدير.

صناعات أخرى تحمل هويّة بلداتها على صعيد محافظة بعلبكّ

تتميز بلدات قصرنبا وبيت أبو صليبي وشمسطار بصناعة ماء الورد، في حين تشتهر اليمونة ودار الوسعة وعيناتا ودير الأحمر بصناعة خلّ التّفّاح والعنب. وعلى الرّغم من الجودة العالية لهذه المنتجات وثقة السّكّان الكبيرة بها، إلّا أنّها لا تلبّي بالكامل الاحتياجات المحلّيّة، بسبب منافسة الخلّ الأجنبيّ ذي السّعر المنخفض؛ إضافة إلى عشرات الورش في بلدة يونين المتخصّصة في صناعة الكبيس والمربّيات الخالية من السّكّر، والمعروفة بجودتها العالية. وتضمّ حوش بردى وحوش الذهب ورشًا لتصنيع منتجات الطماطم، إلى جانب ورش مخصّصة لتجفيف الخضراوات والفواكه وتجميدها، وإن كانت بأعداد قليلة لا تفي الحاجات المحلّيّة المتزايدة، كما تعدّ دار الواسعة من البلدات المعروفة بالزعرور المقطّر.

2.2.3. الضغوط والقوة الدافعة

1.2.2.3. الضّغط

– قلّة الورش: معظم محالّهم صغيرة وغير منظّمة، ويعاني بعضها من فائض في الإنتاج يفوق الحاجة المطلوبة؛ وقد تطوّرت ببطء بسبب نقص المهارات، وتأخّر المستوى التكنولوجيّ وارتفاع كلفة تصنيع المنتجات المطلوبة، بما يتوافق مع النّمط الاستهلاكيّ والانفتاح على الأسواق؛ كلّ ذلك حال دون تمكّنها من التّعبير عن هويّة المنطقة.

– منافسة العلامات التّجاريّة الأجنبيّة: تواجه الهويّة الغذائيّة في المنطقة تحدّيات كبيرة تحول دون تطوّرها، نتيجة الغزو المتزايد للعلامات التّجاريّة المنافسة ذات الأسعار المنخفضة، وضعف رأس المال المستثمر في هذا القطاع؛ وذلك على الرّغم ممّا يبديه سكّان المنطقة من فخر واعتزاز بمنتجاتهم الغذائيّة.

– نقص كميات الحليب اللازمة للمعامل القائمة ، ونقص الورش والمعامل لمنتجات زراعية

– تعاني المنطقة من ضعف كبير في كمّيّة إنتاج الحليب بسبب قلّة تربية الماشية، وعدم مواءمتها لاحتياجات المنطقة أو لما يؤهّل المنطقة لأن تكون هويّة للألبان والأجبان في لبنان، على الرّغم من توفّر العديد من الإمكانيات. ويفاقم هذا الضّعف اعتماد مزارع الأبقار على الطّرق التّقليدية، وصعوبة الحصول على المواد الأولیّة المستوردة، واستنزاف الأراضي الزّراعيّة، وصعوبة النّقل وتحكّم اليد العاملة بأجرة عملها.

– تسويق: هي موسميّة ومتأثّرة بالأوضاع الاقتصاديّة والأمنيّة الجاذبة للسّيّاح وتقلّباتها.

– استنادها على المعارض المحلّيّة والإقليميّة والدّوليّة؛ غير أنّ ارتفاع كلفة المشاركة في تلك المعارض سواء من حيث النّقل أو الشّحن أو الإقامة أو التّصدير يشكّل عائقًا أمام حصور فعّال ومستدام في المحافل.

– إنّ أغلب المنتجات الصناعية تسوق داخل المنطقة، فتقلّ العملة الصعبة، وإنّ نسبة كبيرة من الأرباح تستثمر خارج المنطقة على شكل شراء عقارات أو فتح محالّ في بيروت.

عدم ثبات التّكاليف: عدم ثبات سعر الموادّ الأوليّة المستوردة، خاصّة الأغلاف، وعدم وجود سياسات مدعومة من الدّولة، كذلك مشاكل إيصال الماء والكهرباء، والفساد الحكوميّ وارتفاع تكاليف الإنتاج الحاليّة، خاصّة الأيدي العاملة والوقود؛ كلّ ذلك يشجب الرّغبة في الاستثمار.

ضعف مشاركة كافّة الأطراف المعنيّة في صياغة وثيقة للسّياسات الصّناعية اليدويّة والحرفيّة يشكّل عاملًا أساسيًّا في الحدّ من فاعليّتها ومصداقيتها. كما يسهم تقصير الدّولة في دعم جودة الإنتاج المحليّ، سواء من خلال غياب التّرويج له، أم  عدم خفض الرّسوم الجمركيّة على المستلزمات المستوردة للمعامل القائمة في إعاقة نموّ هذا القطاع وتطوّره.

 

السّمعة السّيئة: أثّر عدم استيفاء بعض المعامل المحيطة للشّروط الصّحيّة المطلوبة سلبًا على سمعة المنطقة ومعاملها، وعزّز صورة غياب الدولة وتكلّس آليّات رقابتها، وإمكانيّة التّلاعب بالسّلامة العامّة، على الرّغم من سعي الدّولة الدّؤوب إلى إجراء الكشف الدّوريّ على المعامل.

لم يكن للمنطقة وزنها الإنتاجيّ تزامنًا مع الاستهلاك المتزايد: تشهد المنطقة نزوحًا كبيرًا، وتختلف نسبته بين بلداتها لتصل إلى30 %، فأدّى إلى تنوَّع قي نمط وكمّية الاستهلاك؛ وعلى الرّغم من تأثير عوامل كالنّقل والهويّة والثقة والقرب في سلوك المستهلك تواجه المنطقة تحدّيًا في ارتفاع استهلاك المنتجات الغربية ذات العلامة التّجاريّة .

2.2.2.3.- القوة الدافعة

– إنّ حصيلة مبيعات تلك الصّناعات هي المصدر الرّئيس لتمويل أنشطة السّكّان اليوميّة والاسبوعيّة؛ وبالتّالي، فإنّ المشاريع الصّغيرة والمتوسّطة الحجم تشكّل ركنًا للاقتصاد، وتعدّ محرّكًا اقتصاديًّا رئيسًا لتعزيز النّموّ وخلق فرص العمل.

– يعدّ قطاع الصّناعات الغذائيّة من أكثر وأسرع القطاعات الاقتصاديّة نموّاً، بسبب حيويّته وتنوّع منتجاته وتطوّره المتلاحق في الجودة والنّوعية، فتعزّزت أهمّيّته هذا القطاع في المنطقة؛ وهو يسهم في زيادة القدرات التّصـديريّة للمنتجين المحليّين في الأسواق الخارجيّة، خاصة الأوروبيّة.

 ثقة السّكّان بالمنتجات المحليّة: حيث يطمئنّ سكّان المنطقة لمنتجاتها، فمصدرها معروف، وإدراك جودتها قويّ، واستهلاكها يعني إظهار المواطنة والإندماج في مجتمعها.

– سهولة الوصول وقرب المسافة، والّرابط المباشر بين المنتج والمستهلك، يوضّح حجم الطّلب القويّ على هذه المنتجات، وتفسّر تفضيلها على المنتجات الأجنبيّة التي يُنظر إليها على أنّها غامضة؛ كل ذلك يدعو إلى ضرورة زيادتها في المستقبل.

– تعزيز الاستهلاك المحلي في المنطقة: تؤثّر قوّة هويّة المنتجات الغذائيّة وغير الغذائيّة، في الاقتصاد المحليّ، وتجعل من زراعات المنطقة تخصّصًا حضاريًّا محلّيًّا، يتكامل بشكل وثيق مع اقتصاد المنطقة، ويوجّه بالأساس نحو الاستهلاك المحليّ، إذ نشأت هذه المنتجات لتلبّي الطّلب المحلّيّ، كما تؤدّي دورًا أساسيًّا في توسيع وتنويع الإنتاج، وتسهم في تحقيق الأهداف الأساسية للتّنمية المستدامة.

3.2.2.3. الأثر

تأثير تلك المنتجات على المطاعم والسّياحة: يشهد قطاع تقديم الطّعام تحوّلًا كمّيًّا ونوعيًّا، حيث انتقل من مطاعم صغيرة إلى شبكة من الورش والمطاعم التي تزوّد المعامل بمنتجات الألبان والأجبان، وتقدّم وجبات تقليديّة تشكّل جزءًا من عروض السّياحة الرّيفيّة، وتترافق مع مهرجانات تذوّق الطّعام التي أصبحت تشكّل القوّة الدّافعة للتّنمية المحلّيّة؛ وأهمّها: القاورما والصّفيحة البعلبكيّة ومنتجات الأجبان والألبان والكشك والشّنكليش، إضافة الى لحوم الأغنام والماعز البلديّ التي ترعى في المراعي الطّبيعيّة التي تعتمد عليها بعض المطاعم والأفران، ويقصدها النّازحون الذين يفدون الى المنطقة خصّيصًا لشرائها، على الرّغم أنّها لا تلبّي الاحتياجات المحلية.

– تتسم هذه الصّناعات بالمرونة في الانتقال بين البلدات وصولًا إلى بعلبك وبيروت، ممّا يقلل من تكاليف النّقل والعمل، ويزيد من الوفرة الناجمة عن التّركّز الحرفيّ.

– تلبّي هذه الصّناعات احتياجـات المراكز الحضريّة في المدينة، وتسهم في جذب السّيّاح إلى مطاعم المنطقة، ممّا يسهم في تحديث الوظائف الحضريّة، وتعزيز النّموّ المستمرّ في أنشطة هذه الصّناعات.

4.2.2.3. الاستجابة  

أ- الرّبط بين المرادفات والاستراتيجيّات

– إقامة شراكات مع المؤسّسات والمنظّمات الأخرى والجمعيّات، إضافة الى تضافر جهود التّعاون بين المستثمرين والمعنيين والبلديّات، من أجل وضع برامج تدعم المشاريع الصّغيرة والمتوسّطة الحجم، وتوفير الخبرات لهم.

– يمكن التّوسّع في تصنيع الفواكه والخضار، بهدف منع كسادها في ظلّ المنافسة وارتفاع كلفة توضيبها أو تصديرها إلى الخارج، فضلًا عن تذبذب الأسعار. علمًا أنّ المنتجات المصنّعة غالبًا ما تكون باهظة الثّمن مقارنة بقدرة السّكّان الشّرائيّة، ولا يمكن أن ترتقي إلى مستوى الهويّة الإقليميّة إلّا من خلال زيادة الاستثمار؛ وذلك من خلال:

زيادة المنتجات ذات العلامة التجارية، مع ضرورة التوسع في المساحات الرعوية وزيادة مزارع الأغنام والماعز والبقر الحلوب التي تسمح بزيادة عدد الورش والمصانع وتنوّع الإنتاج في ظلّ تغيّر نمط الاستهلاك والانفتاح ووجود عشرات الخرّيجين في مجال التّغذية والطّبّ البيطري، كما يمكن التّوسّع في إنشاء مصانع للنّبيذ تزامنًا مع توسّع مساحات زراعة العنب ذات الجودة بدل تصديره لمصانع الجوار.

هيكلة النّسيج الصّناعيّ الزّراعيّ مع الاستهلاك المتزايد، ولا بدّ من التّعاون الصّريح بين المزارعين والصّناعيّين والموزّعين وأصحاب المطاعم، في سبيل زيادة الكمّيّة وتعزيز الجودة واستعادة السّمعة الطّيّبة للمنطقة، وترسيخ الانتماء والهويّة، ومن ثمّ جذب الاستثمار؛ وكذلك يجب العمل على تعزيز الهويّة الطّهويّة للمنطقة التي تتهيكل بناءً على تلك المنتجات، وتحظى بالتّقدير لقيمتها وطابعها الرّمزيّ؛ لأنها تعمل كمحدّد للمنطقة، فهي تؤكّد نفسها كعنصر قويّ في توليد هويّة المنطقة.

ب- توافق الاستراتيجيّات مع الأهداف

– تسمح العلامات التّجاريّة في تنمية مواهب سكّان المنطقة واستثمار مدّخراتهم وتعزيز المساواة بين الجنسين، حيث ترتفع نسب مشاركة الإناث في تلك الصّناعات، ممّا يساعد على نشوء مجتمع منتج، وتأمين التّوظيف، والبنى التّحتيّة الخاصّة بالموادّ الغذائيّة مثـل التّخزين والتّبريد وأسـواق البيع.

– تسهم في دفع عجلة تطوير المنتجات السياحيّة، كما تسهم في تحقيق العدالة التّنموية والتّوازن الجغرافيّ بين البلدات و تقليل التّفاوت الاقتصاديّ، وتدعم القطاعات الإنتاجية بعضها بعضًا.

– يعزّز الاستهلاك المحليّ الشّعور بالانتماء، من خلال جودة المنتجات وحفاظ السّكّان على التّراث القديم المرتبط بها، كما يسهم انتشارها عبر السّائحين في توثيق الرّوابط الاجتماعيّة والعاطفيّة مع الأماكن التي زاروها في المنطقة،  إضافة الى أنّها تكون السّبب الرّئيس لزيارة المنطقة لدى سكّانها أو سيّاح المواقع الأثريّة.

رابعًا: السّياحة

الهويّة السّياحيّة للمنطقة: ترتبط السّياحة ارتباطًا مباشرًا بتاريخ وحضارة المنطقة وقيمها المكانيّة، ويشكّل تراثها العمق الحضاريّ والتّاريخيّ والقيميّ لسكّان المنطقة، ويختزن كمًّا من المعارف والعادات المختلفة التي تراكمت عبر التّاريخ، وتطوّرت وشكّلت هويّة المنطقة وانتمائها الحضاريّ.

1.4.  الحالة

– غنى المنطقة بالتّراث: تتمتّع المنطقة بمجموعة هائلة من الأصول السّياحيّة تشكّل رموزًا تتميّز بها المنطقة عن سائر الأماكن السّياحيّة الأخرى في لبنان، فتعطيها هويّة وتمنحها تفوّقًا تنافسيًّا؛ وتمثّل هذه الرّموز مقوّمات لوجهة سياحيّة متكاملة على الصّعيد الوطنيّ والإقليميّ والمحليّ، بحسب طبيعة الاحتياجات. ومن خلال هذه المقوّمات، يمكن إنشاء صورة علامة تجاريّة تمزج بين الأصول والسّمات الجوهريّة للمنطقة، من موارد طبيعيّة وسياحيّة، والقيمة العاطفيّة المرتبطة بها، لتكون بمستوى الجودة والسّمعة التي تعكس تلك الرّموز؛ وأهمّها:

أ-  الذّاكرة العربيّة والرّومانيّة: يعدّ التّراث التّاريخيّ للمنطقة جزءًا حيًّا من الذّاكرة العربيّة والرّومانيّة، إذ يسهم في تشكيل الهويّة الثّقافيّة للسّكّان، ويعزّز ارتباطهم بالمكان؛ كما يفعّل مختلف الجوانب البيئيّة والمادّيّة والاجتماعيّة؛ ويمكن استثمار المواقع الأثرية لتكون مراكز علميّة أو بحثيّة في مجالات التّاريخ والآثار والعمارة والتّراث، ما يجعلها محل استقطاب السّيّاح، خاصّة من الطّلبة والباحثين المختصّين.

ب- تعدّ هياكل بعلبك ومعابدها وأدراجها من أبرز المعالم الرّومانيّة المدرجة ضمن قائمة التّراث العالميّ، وتتوزّع آثار رومانيّة أخرى لا تقلّ قيمة عنها في أنحاء مدينة بعلبك؛ وإلى الشّمال يبرز “قاموع الهرمل” النّصب الشّامخ الذي يعود تاريخه إلى نحو 2000 سنة، إضافة إلى قناة الملكة زنوبيا وبقايا الكنيسة البيزنطية ومجموعة من المغاور في منطقة بريصا، كما تحتضن المنطقة لوحتين للملك نبوخذ نصّر، وتعدّان من أندر اللّوحات التّاريخيّة في العالم.

ج- تزخر المنطقة بالعديد من الجوامع والمساجد والكنائس القديمة التي يتخطّى عمرها ال 400 سنة، ومن أبرزها: دير مار مارون الذي يعدّ منطلق المارونيّة في لبنان، ودير سيّدة رأس بعلبك العائد إلى القرن الرّابع الميلاديّ، ويؤمّه المسحيّون من مختلف المناطق اللّبنانيّة، خاصّة في عيد انتقال السّيّدة العذراء. وقد عُثر في هذا الدّير على أيقونة بيزنطيّة نادرة تمثّل السّيّدة مريم، كما تحتضن المنطقة بقايا “معبد الرّهبان” عند ضفاف نهر الأربعين، و كنيسة القدّيسة بربارة، ابنة مدينة بعلبك، زلا يمكن إغفال مزار سيدة بشوات الذي يقصده المسيحيّون من كلّ لبنان، إلى جانب مزارات دينيّة أخرى.

د- طاحونة العميرية: تدلّ على التّراث اللّبنانيّ الأصيل، وتتميّز بروعة هندستها التي تتجلّى في تشييدها فوق نهر العاصي؛ أمّا جسر العميريّة الأثري فقد بُني على هذا النّهر ليربط بين الأراضي اللّبنانية والسّورية، كما يربط بين ضفتيّ العاصي.

ه- التّراث الطّبيعيّ: تزخر المنطقة بمزايا فريدة، إذ تحتضن أماكن مميّزة تشكّل علامات تجاريّة، تبلغ مساحتها مئات الهكتارات، وتضمّ الأراضي الحرجيّة والعديد من المحميّات الطّبيعيّة؛ ومن أهمّها: “دارة اليمّونة” التي تعدّ من أهمّ الدّارات الممتدّة على طول الفالق الذي يحمل اسمها ليس في لبنان فحسب، بل على مستوى الخارج، وتشكّل زيارتها رحلة علميّة؛ إلى جانبها تبرز “دارة عيون أرغش”، حيث تتفرّد المنطقة بوجود مثل هذه الدّارات في لبنان. وتشكّل تلك الأماكن موقعاً مميّزاً وسياحيّاً ومثاليّاً للرّاغبين في إقامة النّزهات والتّمتّع بالمناظر الطّبيعيّة التي تشهد نموًّا متزايدًا للمطاعم المتميّزة فيها.

و- التّركيز على أساس هويّة المنطقة بالكرم والضّيافة: إنّ التّنوّع السّياحيّ والتّراثيّ والحضاريّ في المنطقة، إلى جانب تجربة الزّائر أثناء تنقّله فيها، يشعره بقيم الحفاوة والتّرحاب والضّيافة التي تُميّز أهلها.

ب- المهارات والتّقاليد ذات الرّمزيّة الخاصّة كالدّبكة والأغاني والموسيقى تعدّ من الرّكائز المؤثّرة في تنمية الفنون وعروض الأداء، ويعدّ الفلكلور الشّعبيّ أبرز تجلّياتها، وفي طليعته فرقة كركلا التي تمثّل تراث الأجداد مصبوغًا  بتميّز الحداثة؛ أمّا مهرجانات بعلبكّ التي أطلقها الجنرال غورو سنة 1922 فهي رمزيّة يتغنّى بها سكّان المنطقة، وتمثّل ذروة النّشاط السّياحيّ، إذ تستقطب محبّي الموسيقى وتعدّ من أكبر الفعاليّات السّياحيّة في لبنان، وقد شارك فيها العديد من مشاهير العالم، وهي محميّة بموجب العلامات التّجارية المسجّلة.

ج- الخدمات السّياحة ذات الصّيت الذّائع: يشهد القطاع السّياحيّ نموًّا ملحوظًا من خلال ازدياد عدد الفنادق والمطاعم والخدمات في الأماكن السّياحيّة، إضافة إلى اتّساع نطاق المباني الأثريّة التي تشملها عمليّات التّرميم؛ ويؤدّي الاستخدام المتكرّر للعلامات التّجاريّة للسّلع والخدمات إلى تعزيز صورتها في أذهان الزّوّار.

– يمثّل إنشاء علامة “نكهة بعلبكيّة” خطوة استراتيجيّة تهدف إلى تحديد معايير جودة خاصّة بالمنتجات الزّراعيّة والمأكولات التّقليديّة في المنطقة، فيتيح لمالكي المطاعم والفنادق التّعرّف على هذه المحلّيّة واعتمادها. وتسهم هذه العلامة في إشاعة ثقافة الاستهلاك المستدام لدى الزّبائن، وتمنح المأكولات البعلبكيّة طابعًا من الخصوصيّة والتّميّز.

– استخدام المؤشر الجغرافي لدفع عجلة السياحة وإحداث الوظائف في البلدات : تعد بعض انواع الصناعات الغذائية الاسرية  وتم انشاء العديد من المقاهي والمطاعم التي تحمل رمز المدينة في بيروت وفي زحلة (مثل مطعم هياكل بعلبك في لدكوانة).

– النّبيذ: يجذب الزّوّار من خارج المنطقة بفضل التّجارب السّياحيّة القائمة على تذوّق النّبيذ؛ وقد يكون دافعًا لتوسيع نطاق زيارة المنطقة واستقطاب المزيد من الاستثمارات في قطاعاتها السّياحيّة.

تشكّل العلامات التّجاريّة في قطاع الخدمات ركيزة أساسيّة في تعزيز الجذب السّياحيّ، من خلال إرساء هويّة خدماتيّة مميّزة للمنطقة، لا سيما عبر مختبرات التّجميل كالدّكتور الحسيني ومحفوظ قاسم… والمراكز الطّبيّة كمستشفى دار الحكمة ومستشفى دار الأمل. وتوازيًا، يسهم تطوير البنية التّحتيّة ومناطق النّشاط الحديثة، ولا سيّما في قطاع الاتّصالات، في ترسيخ مكانة المنطقة كمقصد سياحيّ وخدماتيّ متكامل.

تعدّ العلامات التّجاريّة للمنتجات التي تباع بشكل أفضل رافعة اقتصاديّة، ويزداد تأثيرها بفضل اقترانها بتنظيم الأحداث الثّقافيّة أو الرّياضيّة، فتخلق فرص العمل وعائد ملموس.

2.4. الضّغوط والقوّة الدّافعة

1.2.4. الضّغوط

تواجه المنطقة تحدّيات متزايدة في تنمية المشروعات السّياحيّة والثّقافية، في ظلّ تحوّلات أيدلوجيّة واقتصاديّة وعالميّة متسارعة، ما يحدّ من قدرتها على توظيف تنوّع الموروث الثقافي والعمراني في القطاع السّياحيّ بصورة تحقّق التّنمية المستدامة؛ وذلك بسبب:

نقل صورة سيئة عن المنطقة لدى العديد من سكّان المناطق اللّبنانيّة بأنّها خارجة عن القانون أو يتمّ نقل صورة نمطيّة بأنّها منطقة زراعيّة.

– الخدمات غير كافية:  فهي محصورة فقط بالمنطقة الأثريّة إلى جانب ضعف الاستثمار، كما أنّ التّرويج الأعلاميّ للسّياحة فيها يكاد يكون معدومًا، على الرّغم أنّ المهرجانات تسهم في الإضاءة على المنطقة، إلّا أنّ هذه الفعاليّات غالبًا تعود بالنّفع على جهات خارجيّة، في حين يبقى سكّان بعلبكّ من دون مردود يذكر، إذ إنّ معظم الزّوّار يأتون ليلًا ويغادرون ليلًا، من دون أن يخلّفوا أيّ أثر اقتصاديّ ملموس للمنطقة.

2.2.4.القوّة الدّافعة

 يؤصّل التّراث الحضاريّ الهويّة ويرسّخها، ويجعل لديها ارتباطًا ثقافيًّا وفنّيًّا وحضاريًّا ببيئتها ويكوّن شخصيّتها، ويشكّل هويّتها التي تترك بصمة في ذهن السّائح تجعله يميّز المقصد السّياحيّ عن غيره.

– الهويّة السّياحيّة الغالبة على المنطقة تبدّد الصّورة السّلبيّة الملتصقة بالمنطقة: أسهمت الآثار والأنشطة الثّقافيّة في المنطقة في تشكيل هويّة تاريخيّة، ترسّخت في أذهان سكّان المنطقة وخارجها؛ وتُبرز الرّموز أو عناصر الجذب جزءًا من صورة هويّتها التي يعتزّ بها السّكّان، ويتغنّون بتراث بعلبكّ وجمال الأماكن الطّبيعيّة، لا سيّما في اليمّونة وعيون أرغش المعروفتين على صعيد لبنان، فتتعزّز الدّعوة إلى زيارتها، وتتنشّط الحركة السّياحيّة والاقتصاديّة في المنطقة.

الموقع الجغرافيّ للمنطقة عزّز الهويّة السّياحيّة

أ- تتمتّع المنطقة بهويّة بيئيّة وسياحة متكاملة، لا تقوم على التّنافس، حيث  إنّ المناطق السياحية الموجودة في قضاء الهرمل أو في اليمّونة أو في بعلبكّ لا تشبه بعضها، فيمكن للزّائر أن يقوم بأنشطة سياحيّة متعدّدة، ويزور أماكن عدّة في نفس الرّحلة التي تمتدّ لأيام عدّة، ويمكن تفعيل قطاع الفنادق والمطاعم.

ب- تنوّع المناخ: يمكن للسّائح بفضل الموقع الجغرافيّ للمنطقة الاستمتاع بتنوّع الأطعمة وتعدّد المناخات داخلها، إلى جانب شراء فواكه خارج موسمها الطّبيعيّ، مثل الكرز والمشمش وغيرها؛ وسيتيح تسجيل العلامة التّجاريّة فرصة للتّعرّف على المرشدين المؤهّلين، ودور الضّيافة والفعّاليّات والبضائع الرّسميّة التي تسوّقها البلدات والتّعاونيّات.

ج- انفتاح المنطقة وتواصلها بفعل اتّصالها بثلاثة أقضية: تتميّز الهويّة بسهولة تذكّرها، إذ تخلق شعورًا بالتّواصل والانتماء؛ ويمكن الوصول إلى المنطقة عبر طرق جبليّة، مثل طريق الأرز أو عيون السّمان أو طريق الهرمل – عكّار التي تربط السّاحل بالمنطقة، فيتيح للزّوّار الاستمتاع بالمناظر الخلّابة الجبليّة أثناء القدوم والعودة، مع إمكانيّة تغيير مسارات الرّحلة.

وتقوم سياحة المسارات على إبقاء السّائح مدّة زمنيّة أطول فى المناطق السّياحيّة والأثريّة الواقعة ضمن المسار، فيمكّنه من الاستمتاع بكلّ المقوّمات السّياحيّة في كلّ منطقة، ممّا يحفّز السّكّان المحلّيين على المشاركة الفاعلة فى التّنمية السّياحيّة، لتغدو سياحة المسار منتجًا سياحيًّا متكاملًا.

د- تنوع ديني: تمازج الثقافات: تتمتّع المنطقة بتنوّع دينيّ وثقافيّ كبير، ويؤدّي تفاعل ثقافة السّائح مع الثّقافة المحليّة إلى نشوء مشروعات سياحيّة تنمويّة تعزّز المعارف وتغني الخبرات من خلال الاتّصال الثّقافيّ الذى ينتج عنه تحديث بعض السّمات الثّقافيّة التي تؤثّر بدورها على طبيعة العادات والتّقاليد السّائدة.

3.2.4. الاثر: ترسيخ الهويّة من خلال اهتمام أكبر من قبل السّكّان وكذلك الزّوّار بتراث المنطقة

يسهم سكّان المنطقة في تميّز بلداتهم واماكنهم، فتتراكم الذّاكرة المكانيّة التي تمثّل كنزًا جماعيًّا، يتمثل في:

أ- ارتقاء ارتباط سكّان المنطقة العميق ببيئتهم إلى مستوى الهويّة الإقليميّة، من خلال توجيه النّشاط السّياحيّ نحو ما يميّز المنطقة من حضارات وعادات وتقاليد عريقة، مع التّركيز على المعارض السّياحيّة، وقد رسّخ تنمية القطاع السّياحي في بعض الأماكن هويّة المنطقة، خاصّة اليمّونة ومحيط القلعة.

ب- مطالبة السّكّان بإلحاح بتنمية القطاع السّياحيّ في المنطقة، وهم واثقون بقدراتهم، منطلقين من ثوابتهم الدّينيّة وموروثهم الاجتماعيّ والثّقافيّ والتّاريخيّ، بهدف بلورة هويّة سياحيّة متميّزة.

ج- الاهتمام  بالنّواحي البيئيّة، لا سيّما من خلال معالجة المشكلات البيئيّة والتّخلّص من التّلوّث البصري، يوسّس لمشهد جماليّ يستقطب السّيّاح. وقد شجّع ذلك على التّوسّع في الخدمات، ومن ثمّ في القطاعات التي ترتبط بها، خاصّة الصّناعات الغذائيّة في دورة اقتصاديّة متكاملة.

د- السّياحة ركيزة اقتصاد المنطقة: من خلال تنمية السّياحة ازدهرت الصّناعات الغذائيّة والقطاع الحيوانيّ والزّراعات المرتبطة بها، وتعزّزت العلامات التّجاريّة التي تتميّز بها وتلتصق بالمنطقة وترسّخ هويتها، علمًا أنّ بعض الأماكن تشتهر بمزارعها وبصناعاتها الغذائيّة، لكنّها لا تندرج ضمن القيمة السّياحيّة.

4.2.4. الاستجابة

أ- تجدّد العلامات التّجارية: تتألّف من المعالم الأثريّة والتّراثيّة، وتشكّل ذاكرة المنطقة، وتعبّر عن الثّقافة والتّقاليد والقيم الاجتماعيّة، وتعزّز الانتماء وتنمّي السّياحة من خلال:

– بناء هويّة جديدة تواكب طموحات المنطقة التي تمزج بين القيمة التّاريخيّـة والتّراث الثّقافيّ والمجتمعيّ والبيئة والسّمات الفرديّة والجماعيّة، كما تمـزج بيـن الحداثـة والأصالة والتّجديد، وتعبّر عن هوية المنطقة وما يؤمن به سكّانها من عادات وتقاليد؛ لتشكّل بذلك الصّورة العامّة للمنطقة التي لها دور كبير في نقل تراثها بشكل حضاريّ وتفاعليّ إلى زوّار المنطقة وترسيخ هويّتها.

انفتاح سكّان المنطقة وتوظيف التراث وتطوير الخدمات يسهم في تعزيز البنية التّحتيّة السّياحيّة وتنويع المنتجات السّياحيّة، بما يثري النّسيج الثّقافيّ والاجتماعيّ، ويضمن القيمة الاقتصاديّة للأنشطة المختلفة. كما يُعنى هذا التّوجّه بالارتقاء بمستوى الخدمات، بما يسهم في تنمية القطاع السّياحيّ وخلق فرص اقتصاديّة، مثل إنشاء الفنادق والمطاعم وتوفير فرص عمل للسّكّان.

– صناعة علامة تجاريّة من خلال وضع استراتيجيّة لدعم المزارعين داخل مزارع العنب والتّفّاح والورود، مع إطلاعهم على أساليب تصنيع المنتجات، فتتعزّز ثقتهم بها. ويسهم الاستخدام النّاجح للعلامة التّجاريّة في تحويل سمعة المنتج وجودته إلى فرص تجاريّة في قطاع السّياحة مؤكّدًا التّفوّق التّنافسيّ، ومعزًّزا سمعة الوجهات السّياحيّة.

تطوير الجذب السّياحيّ وتطوير المهن التّراثية والتّسويق لها، من خلال تشجيع الاستثمار السّياحيّ.

ب- توافق الاستراتيجيات مع الاهداف: تؤثر الهويّة في عمليات التنمية من خلال:

– السّياحة: تسمح للزّوّار باختبار المنطقة في الواقع ونقل تصوّراتهم بمجرّد عودتهم إلى بلدانهم الأصليّة.

– الثّقافة: القدرة على إاضافة تفاصيل للصّور، وإثارة الاهتمام بزيارة المنطقة.

– السّكّان: زرع الشّعور بالفخر بين سكّانها الذين يتصرّفون كسفراء  لبلداتهم حتّى في سلوكهم اليوميّ.

– السّياسة: نقل القيم خارج حدود المنطقة.

– الاستثمار: التّرحيب بالاستثمارات الأجنبيّة، وجذب استثمارات جديدة ونخب جديدة إلى البلدات.

– المنتجات: تحمل اسم المنطقة وتجذب المستثمرين إليها.

وضمن هذه الأبعاد السّتة، يمكن لعوامل فرعيّة عديدة أن تسهم بشكل خاصّ في بناء أسس هوية قويّة وتنافسيّة، لها أهمّيّة بالغة في تشكيل صورة مستقبليّة تمثّل بوّابة لتنمية الشّعور بالانتماء، وتعطي فرصة ممتازة لإبراز هويّة المنطقة وجذب اهتمام السّيّاح لزيارتها.

ولا بدّ من ربط المنتجين المحليّين الصّغار والمتوسّطين بالمزوّدين السّياحيّين الكبار، من أجل دعم التّنمية المحلّيّة المستدامة، وتعزيزًا للقدرة التّنافسيّة من خلال اعتماد المنتجات والتّجارب السّياحيّة المبتكرة.

النتيجة

تعدّ الزّراعات ذات الشّهرة المحليّة، إلى جانب المزارع الحيوانيّة والمراعي في المنطقة ومراكز الأبحاث الزّراعيّة في الجوار، فرصة لتطوير المنطقة وجعلها مركزًا للصّناعات الغذائيّة اللّبنانيّة. ويتمّ ذلك من خلال استثمار الفائض الزّراعيّ وتصنيعه وتصديره، والتّوسّع في زراعته، إلى جانب تنظيم الأراضي وتحديد نوعيّة استخداماتها، بحيث تُلصق بها الهويّة التي تعزز انتماء السّكّان إليها وتعزّز شعورهم بالارتباط بها. كلّ ذلك يسهم في استقطاب الكوادر الفنّيّة والخبرات المتخصّصة وأموال المهاجرين.

تضفي السّياحة المستندة إلى تراث المنطقة قيمة اقتصاديّة على المنتجات ذات العلامة التّجاريّة، في الزّراعة والغذاء والحرف التي تتميّز بها المنطقة، وتسعى إلى تطويرها. وهي قادرة على توظيف الإمكانات الثّقافيّة والفنّيّة لخلق فرص اقتصاديّة تضمن دخلاً وفيراً، وتعزّز الأنشطة الاقتصاديّة.

يسهم دعم العلامات التّجاريّة في القطاعات الاقتصاديّة في دعم هويّة المنطقة والتّرويج لها، وترسيخ انتماء السّكّان إليها، إذ يستثمرون الموروثات الثّقافيّة والحضارية والبيئيّة للمنطقة بالشّكل الأمثل، وبرؤية اقتصاديّة بحتة، فيسهم في جذب الاستثمارات، ولا سيّما من خلال رؤوس أموال المهاجرين والنّازحين.

 

المراجع

Sabine Menu (2025) La formation des mobilisations économiques et le rôle de l’identité régionale dans trois régions européennes, Institut d’Etudes Politiques de Paris.

Ahmed Yehia Mohamed Gamal ,(2010), Identity as an approach tocivilization sustainability in the light of community partnership, Mansoura University

Akerlof, G. A. et Kranton, R. E. (2000). Economics and Identity. Quarterly Journal of Economics,

Fine, B. (2008). L’économie de l’identité et l’identité de l’économie ? Cambridge Journal of Economics,

Matsangou, E. (2019,). L’économie de l’identité,  https://www.worldfinance.com

Michel Garrabé, (2001) ,Identité de l’économie sociale et de l’économie solidaire, https://id.erudit.org/iderudit/1023666ar

MICHAEL KEATING ) 1998( National and Regional Identity in Europe in the Nineteenth, Centuries,

Peter Van Ham, ,(2001) European identity beyond the state:: governance, democracy, identity.

Nora Mareï et Yann Richard, (2024) , Régionalisations du monde et intégration (macro)régionale. https://journals.openedition.org/belgeo/43451

Yann Richard, Intégration régionale, régionalisation, régionalisme – l’Université Paris 1 Panthéon-Sorbonne,

 

 

 

[1] الإيديولوجيا: مجموعة من القيم الأساسيّة تترابط فيما بينها، وتبرّر مصالح الجماعة، وإضفاء المشروعيّة على تباين القوّة، تتغير بحسب الواقع الجديد، ولديها القدرة على الإصلاح.

 

عدد الزوار:48

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى