أبحاثالتاريخ وعلم السياسة والاقتصاد

دور الشّركات العائليّة في التّنميّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة في محافظة لبنان الجنوبيّة خلال الأزمة الاقتصاديّة 2019-2024

دور الشّركات العائليّة في التّنميّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة في محافظة لبنان الجنوبيّة خلال الأزمة الاقتصاديّة 2019-2024

Le rôle des entreprises familiales dans le développement socio-économique au Sud-Liban durant la crise économique (2019-2024)

د. لانا جرجي موسى

Dr. Lena Moussa

      تاريخ الاستلام 20/3/ 2025                                      تاريخ القبول 8/4/2025

لتحميل البحث بصيغة PDF

ملخّص

تعدّ الشّركات العائليّة ركيزة أساسيّة في الاقتصاد العالميّ، حيث تمثّل 70% من الشّركات عالميًّا وتشارك بنسبة كبيرة في النّاتج المحليّ الإجماليّ والتّوظيف. في لبنان، تشكّل هذه الشّركات حوالي 85% من القطاع الخاصّ، وقد أثبتت مرونة كبيرة خلال الأزمة الاقتصاديّة التي بدأت عام 2019، والتي شهدت انهيارًا ماليًّا حادًّا وارتفاعًا كبيرًا في التّضخم؛ وعلى الرّغم من هذه التّحدّيات، استطاعت العديد من الشّركات العائليّة في جنوب لبنان، خاصّة في بلدة مغدوشة، التّكيف مع الظّروف عبر استراتيجيّات مثل تنويع الأنشطة واعتماد الحوكمة العائليّة.

تميّزت هذه الشّركات بخصائص مثل توارث الخبرات، الثّقة المتبادلة، واتّخاذ القرار السّريع، لكنّها واجهت أيضًا تحدّيات كالصّراعات العائليّة وضعف التّخطيط للخلافة؛ ومن خلال مقابلات مع أصحاب شركات عائليّة، تبيّن أنّ نجاحها يعتمد على التّكامل بين الأجيال والتّخصّص الأكاديميّ لأفراد العائلة، كما أسهمت هذه الشّركات في التّنمية المحليّة عبر توفير فرص العمل وتحفيز القطاعات الزّراعية والسياحيّة.

ختامًا، تؤكّد الدّراسة أهمّيّة تعزيز الحوكمة والتّخطيط الاستراتيجيّ لضمان استمراريّة الشّركات العائليّة، مع الحفاظ على قيمها الاجتماعية كأداة للتّنمية في ظلّ الأزمات.

Résumé   

Les entreprises familiales jouent un rôle clé dans l’économie mondiale, représentant environ 70 % des entreprises et contribuant significativement au PIB et à l’emploi. Au Liban, elles constituent près de 85 % du secteur privé et sont vitales pour la résilience économique, surtout durant la crise de 2019-2024, marquée par l’effondrement monétaire et une inflation galopante. Malgré ces défis, ces entreprises ont démontré une remarquable adaptabilité, préservant des emplois et soutenant les communautés locales.

L’étude se concentre sur le Sud-Liban, notamment le village de Maghdouché, où des entretiens avec des propriétaires d’entreprises familiales ont révélé leur importance dans le développement local. Ces entreprises, souvent transmises sur plusieurs générations, allient traditions et modernité, tout en favorisant la cohésion sociale. Leur force réside dans leur flexibilité, leur rapidité de décision et leur engagement familial, bien qu’elles puissent souffrir de conflits internes ou d’une gestion émotionnelle.

Pour assurer leur pérennité, une gouvernance structurée, incluant des conseils familiaux et une planification successorale, est essentielle. Ces entreprises restent un pilier de l’économie libanaise, mais leur avenir dépendra de leur capacité à intégrer des pratiques professionnelles tout en conservant leurs valeurs familiales.

 

مقدّمة

يعدّ البحث في موضوع الشّركات العائليّة من الموضوعات المهمّة التي باتت محلّ اهتمام الباحثين في علمي إدارة الاعمال والاقتصاد على حدٍّ سواء؛ لما تؤدّيه هذه الشّركات من دور مهمّ في صياغة وتشكيل الكثير من اقتصاديّات الدّول في العالم بشكلّ عامّ، وفي الدّول العربيّة بشكلّ خاصّ، إذ تسهم في تحقيق النّموّ الشّامل وتوفير فرص العمل، فهي تمثّل حوالى 70% من إجمالي الأعمال التّجاريّة العالميّة (IFC, 2012)، في أميركا اللاتينية لوحدها تسهم الشّركات العائليّة بحوالى 60% من الناتج القوميّ الإجماليّ (عبيد، بنتور، و طلحة، 2020، صفحة 3).

وعلى الرّغم من تغيّر الظّروف الاقتصاديّة بوتيرة متسارعة، لا يزال قطاع الشّركات العائليّة قادرًا على تحقيق النّجاح والمكاسب الاقتصاديّة على المستوى المحليّ والوطنيّ، وقد كان أداء الشّركات العائليّة المدرجة في أسواق المال الأوروبيّة الرّئيسة أفضل من الشّركات غير العائليّة في الفترة ما قبل جائحة كوفيد-19 (بنقا، 2023، صفحة 1)، كما أظهرت العديد من هذه الشّركات صمودًا ومرونة كبيرة خلال فترة الجائحة  (PWC, 2021).

وتشكّل الشّركات العائليّة في المشرق العربيّ ما يصل إلى 90% من جميع الشّركات، وتوظّف 80% من القوّة العاملة. وتسهم بنسبة 60% من النّاتج المحليّ الإجمالي للمنطقة (PWC, Family Business survey,Family firm: A resilient model for the 21st century, 2012). وأهمّ ما يميّز الشّركات العائليّة في المنطقة هو وجود الثّقافات الرّاسخة والقيم القويّة والطّرق المختلفة لقياس النّجاح وسرعة اتّخاذ القرار.

في لبنان، تقوم الشّركات العائليّة بدور فعّال وهامّ في دعم الاقتصاد، وهي تؤدّي دورًا مهمًّا في خلق فرص العمل وفي رفع مستويات التّنمية الاقتصاديّة، إذ تسهم بنحو 80% من النّاتج المحليّ الإجمالي وتوفّر 1.05 مليون فرصة عمل من أصل 1.24 في لبنان” (فهد ن.، 2018).

وانطلاقًا من أهمّيّة دور الشّركات العائليّة في التّنمية الاقتصاديّة، أُنشئت جمعية الشّركات العائليّة في لبنان برئاسة ريكاردو حصري التي انتسبت الى جمعيّة الشّركات العائليّة الدّولية الموجودة في سويسرا، إلّا أنّ لبنان شهد عام 2019 أزمة صحيّة واقتصادية، حيث انتشرت جائحة كورونا مترافقة بأزمة اقتصاديّة أثّرت بشكل سلبيّ وقويّ على جميع القطاعات لا سيّما المالية والنّقدية منها، وانعكس ذلك على المستوى المعيشيّ للشّعب اللّبنانيّ الذي يعيش حتّى يومنا هذا ضائقة ماليّة وتردّيًا اجتماعيًّا كبيرًا؛ فقد تدهور سعر صرف اللّيرة اللّبنانيّة مقابل الدّولار الأميركي من حوالي 1500 ليرة لكلّ دولار ما قبل الأزمة إلى حدود 89 ألف ليرة حاليًّا؛ وبالتالي فقدت القدرة الشّرائية للّيرة اللّبنانيّة حوالي 98% من قيمتها، وانخفضت قيمة رواتب الموظّفين ممّا أثَّر على التّوازن الاجتماعي؛ إذ تقلّصت نسبة الطّبقة الوسطى من 70% إلى نحو 30-40%، وارتفع مؤشّر أسعار الاستهلاك من 115.54% مع نهاية عام 2019 ليصل إلى رقم قياسيّ 5978.13% في نهاية العام 2023، في دلالة واضحة على الارتفاع الكبير جدًّا في أسعار السّلع الأساسيّة من مأكل وملبس وسكن واتّصالات وتعلم وطبابة وغيرها، وأدّى ذلك إلى ازدياد معدّل التّضخّم الماليّ من 2.9% في العام 2019، إلى 231.1% في العام 2023؛ فضعفت قدرة المواطنين على تأمين مقوّمات حياتهم اليوميّة وأُرهقت الفئات الاجتماعيّة الأكثر فقرًا، فكان لا بدّ من الاعتماد على مؤسّسات وشركات القطاع الخاصّ، خاصّة تلك التي استطاعت مواجهة الأزمة وتخطيها بأقلّ ضرر ممكن (عمر، 2024).

وعلى الرّغم من مضي أكثر من أربع سنوات على الانهيار النّقديّ والماليّ والاقتصاديّ، فإنّ القطاع الخاصّ الذي تشكّل الشّركات العائليّة حوالي ٨٥% من مجموع الشّركات العاملة، لا يزال صامدًا، وكذلك الاقتصاد اللّبنانيّ، بعدما تأقلمت هذه الشّركات مع التّطوّرات الحاصلة، خصوصًا على صعيدي اللولار والدّولار والتّقلّبات الحادّة في سعر الصرف؛ فاستطاعت مدّ الخزينة اللّبنانيّة بالإيرادات المطلوبة لتحقيق النّموّ المستدام وتأمين فرص العمل (حصري، 2024).

انطلاقًا ممّا سبق، واستنادًا لأهمّيّة دور الشّركة العائليّة في عمليّة التّنمية الاجتماعية والاقتصاديّة، يمكن لنا طرح تساؤلات حول تاريخ الشّركات العائليّة ونشأتها في لبنان، ودورها في عمليّة التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة: ما العوامل التي أسهمت في صمود هذه الشّركات واستمراريّتها في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة والماليّة التي أرخت بظلالها على لبنان منذ العام 2019، وما رافقها من انهيار للعملة الوطنيّة وارتفاع أسعار السّلع، بالإضافة إلى تراجع قيمة الأجور والقدرة الشّرائيّة لدى المواطن اللبناني؟ وما مدى تأثير هذه الأزمة على واقع الشّركات العائليّة الحالي؟ وما الإجراءات والتّدابير والسّياسات التي اعتمدتها هذه الشّركات لضمان استدامتها وانتقالها لأجيال متعاقبة؟

أهداف البحث

نسعى من خلال هذا البحث تحديد مفهوم وواقع الشّركات العائليّة من خلال:

  • تحديد الإطار النّظريّ والمفاهيميّ للشّركات العائليّة.
  • تبيان أهمّيّة دور الشّركات العائليّة في التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة.
  • تبيان نقاط القوّة والضّعف في عملها وتأثيرها على أعمال الشركة.
  • تحديد واقع الشّركات العائليّة في لبنان.
  • الوقوف عند تأثير الأزمة الاقتصاديّة اللّبنانيّة على الشّركات العائليّة.
  • تحديد سبل تخطّي الشّركات العائليّة للأزمات الماليّة وطرق معالجتها.

منهجيّة البحث

من أجل الإجابة على إشكاليّة البحث، وتحقيق الأهداف المرجوة منها، اتّبعت المنهج الاستنباطي، ويُعرف المنهج الاستنباطي أنّه دراسة لمشكلة بشكل كليّ انطلاقًا من المُسلَّمات أو النّظريّات أو المعارف العامّة، وبعد ذلك الانتقال للجُزئيات، من خلال الاستنتاجات، أي أنّه دراسة تبدأ بالعامّ ثم تنتقل إلى الخاصّ في مراحلها التّالية، ومن التّسميات الأخرى للمنهج الاستنباطي: “المنهج الاستدلالي” و”المنهج الاستنتاجي”، بالإضافة إلى منهج تحليل المضمون، وهو أداة أو أسلوب (برنارد بيرلسون وأولي هولستي)، من خلال معالجة وتحليل ما توصّلنا إليه من معطيات ميدانيّة عبر المقابلات المباشرة مع أصحاب الشّركات العائليّة في لبنان.

 

المجال الزّمانيّ والمكانيّ

أجريت هذه الدراسة في بلدة مغدوشة، إحدى قرى محافظة الجنوب في لبنان، تبعد حوالى 50 كلم عن جنوب بيروت، قمنا بإجراء ثماني مقابلات مع أصحاب مهن وشركات ذات طابع عائلي، وذلك خلال شهر أيار من العام 2024، للتّعرّف على آراء أصحاب المهن والمصالح والشّركات حول تاريخ عملهم في شركاتهم العائليّة، أبرز مميّزاتها، وإيجابيّاتها وسلبيّاتها، وتطلعاتهم لمستقبل العمل فيها، والإجراءات التي يقومون بها لضمان استمراريّتها عبر الأجيال.

تعريف الشّركة العائليّة

على الرّغم من وجود عدّة أصناف للشّركات إلّا أنّ تصنيفها حسب الوضع القانونيّ هو الذي سيصل بنا إلى تعريف واضح للشّركات العائليّة؛ فبحسب القوانين اللّبنانيّة المرعية الإجراء توجد الأنواع التّالية للشّركات: شركات الأشخاص التي تضمّ الشّركة المحدودة المسؤوليّة، وشركة التّضامن، وشركة المحاصصة، وشركات الأموال التي منها الشّركة المساهمة اللّبنانيّة، وشركة التّوصية بالأسهم، وشركة الهولدنغ، وشركة الأوف شور…

أمّا عن الشّركة العائليّة فلا يوجد لها تعريف متّفق عليه، بحسب الأدبيّات والتّقارير المنشورة، وقد أشارت دراسة بعنوان Ownership and the stock Market Family المنشورة في سويسرا عام 2018 م (Eugster, 2019)، إلى عدم وجود تعريف محدّد سواء من الجانب الماديّ أم الماليّ، لكن قد تعدّ الشّركة عائليّة، بحسب الدراسة، بناءً على عدّة عوامل أهمّها ما يلي:

  • ملكيّة العائلة: تعتمد على نسبة التّصويت، أو حقّ التّدفّقات النّقديّة التي يملكها أفراد الأسرة.
  • إدارة الشّركة من قبل العائلة: وذلك إذا كان مؤسّس الشّركة أو شريك في تأسيس الشّركة هو الرّئيس التّنفيذيّ للشّركة، على أنّ الباحثين يختلفون في هذا التّعريف بحسب عدد المناصب التي يتولّاها مجموعة أشخاص من نفس العائلة في إدارة الشّركة.
  • تصوّر الشّركة بأنّها شركة عائليّة من قبل العائلة: عندما يرى الرّئيس التّنفيذيّ، أو رئيس مجلس الإدارة أنّ شركتهما شركة عائليّة، أو أنّ مديري الشّركة مرتبطون بعضهم ببعض بصفتهم أقارب، ويُعدّ هذا كافيًا لتعريف الشّركة على أنها عائليّة.
  • انتقال ملكيّة الشّركة بين الأجيال: يعتمد ذلك على انتقال السّلطة والإدارة إلى أجيال أخرى بعد مؤسّس الشّركة، كوجود نوع من السّلطة في مجلس الإدارة، أو إدارة الشّركة من أحد أفراد العائلة كرئيس تنفيذيّ.
  • عوامل متعدّدة: المقصود بها هو وجود عاملين أو أكثر مجتمعة حتّى يؤخذ بالحسبان أنّ الشّركة تعدّ عائليّة كتحقيق حدّ أدنى من الملكيّة والتّمثيل في مجلس الإدارة على سبيل المثال(الشهراني، مختار، و المشرّف، 2021، صفحة 7).

في المملكة العربيّة السّعوديّة مثلًا، تُطرق إلى مفهوم الشّركة العائليّة في دليل حوكمة الشّركات العائليّة وميثاقها الاسترشاديّ الصّادر عن وزارة التّجارة  في عام 2018 (الميثاق الاسترشادي، 2018)، وعرّفت أنَّها: “الشّركة التي تملكها بالكامل أو تسيطر عليها عائلة معينة”، مع الإشارة إلى إمكانيّة اختلاف معنى السّيطرة، وأنَّه يشمل في كلّ الأحوال السّيطرة النّاجمة عن ملكيّة أكثريّة حصص أو أسهم شركة ما، كذلك ذكر الدّليل أنّه من غير الضّروري أن تعود ملكيّة الشّركة العائليّة إلى عائلة واحدة فقط، بل قد تكون لأكثر من عائلة.

  • تعريف الاتّحاد الأوروبيّ

اعتمد الاتّحاد الأوروبيّ على عدد من الحالات التي في حال توافر أيّ منها، تعدّ الشّركة شركة عائليّة، وهذه الحالات هي:

  • أن تكون أغلبيّة الملكيّة تحت سيطرة الشّخص المؤسّس للشّركة، أو أحد أفراد أسرته.
  • ألّا تقلّ ملكيّة العائلة عن 25% من أسهم الشّركة.
  • في حال كانت الشّركة مدرجة في سوق الأوراق الماليّة، تحكّم العائلة في اتّخاذ القرارات في الشّركة سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
  • وجود أحد أفراد العائلة على الأقلّ في مجلس إدارة الشّركة (الدبل، 2013، صفحة 129).
  • تعريف مؤسّسة التّمويل الدّولية

عرفت مؤسّسة التّمويل الدّوليّة الشّركة العائليّة أنّها: الشّركة التي تكون فيها أغلبية الأصوات في أيدي العائلة المسيطرة، بما في ذلك المؤسّس (المؤسّسون) الذي يعتزم نقل الشّركة إلى الأجيال القادمة.

ويكون للمصطلحات التّالية: المؤسسة التّجارية العائليّة، والمنشأة العائليّة، والشّركة العائليّة، والمؤسّسة التّجاريّة المملوكة للعائلة، والشّركة المملوكة للعائلة، والشركة التي تسيطر عليها عائلة نفس المعنى (الدبل، 2013، صفحة 131).

أخيرًا، يمكن اعتماد تعريف الشّركة العائليّة في دراستنا هذه على أنّها تلك الأعمال التّجارية المملوكة للأسرة، وهي بذلك أي عمل يشارك فيه اثنان أو أكثر من أفراد العائلة، وتكون فيها الملكيّة لهم، ويملكون أيضًا حقّ السّيطرة على الإدارة وحقّ اتّخاذ القرا،. ويكون الهدف من هذه الهيمنة العائليّة هو الحفاظ على استمراريّتها وتوريث أعمالها إلى جيل آخر على الأقلّ، ولا يربطها فقط المصالح الاستثماريّة المشتركة وإنما أيضًا العلاقات الشّخصيّة، حيث تمثّل وحدة ديناميكيّة تربطها العلاقة الأسريّة بشكل أو بآخر؛ وانطلاقًا من هذا التّعريف، أجرينا ثماني مقابلات مع أصحاب مهن وشركات تنطبق على أعمالهم خصائص الشّركات العائليّة.

أهمّيّة الشّركات العائليّة

ظهرت الشّركات العائليّة في العالم بصفتها مركزًا اقتصاديًّا كبيرًا تمارس فيه الأدوار الاقتصاديّة المختلفة، حيث تؤدّي الشّركات العائليّة دورًا كبيرًا في النّموّ الاقتصاديّ لأيّ بلد، كما توفّر الشّركات العائليّة فرصًا كثيرة للتّوظيف والقضاء على البطالة في المجتمعات، وتقوم تلك الشّركات على تنمية اقتصاد الدّولة من خلال المساهمة في النّاتج المحليّ؛ فهي تعدّ نموذجًا لأقدم المؤسّسات التّجاريّة وأكثرها شيوعًا على مستوى العالم؛ وفي العديد من البلدان تمثّل الشّركات العائليّة الرّكيزة الأساسيّة التي يقوم عليها الاقتصاد. (مولاي، 2013، صفحة 184).

 

خصائص الشّركات العائليّة

نستعرض في ما يلي أبرز خصائص الشّركات العائليّة التي تميّزها عن الشّركات غير العائلية:

  • تأصيل مبدأ التّخصّص وتوارث الخبرات، حيث يستمرّ العمل في الشّركات العائليّة في نفس المجال الذي أنشئت له على أيدي المؤسّسين، ثم تنتقل الخبرة إلى الأبناء، ويستمرّون في العمل وتنميته وتطويره.
  • توفّر الثّقة المتبادلة بين الجمعيّة العامّة والإدارة التّنفيذيّة التي تسند عادة إلى أحد أفراد العائلة المالكة للشّركة أو لغالبية رأسمالها، أو إلى أحد الأشخاص المرتبطين بها أو المنتمين إليها.
  • التّرابط والتّلاحم بين أفراد العائلة نتيجة حرصهم على مصالح مشتركة، إذ يسود بينهم شعور بالانتماء إلى العائلة الكبيرة، مع إتاحة فرص عمل لغير أفراد العائلة المؤهلين.
  • ارتفاع ثقة السّوق في الشّركة، وذلك نتيجة ما تتمتّع به العائلة المالكة من سمعة طيبة، ممّا يوفّر لها مزايا تفضيليّة في عمليّات البيع والشّراء، وكذلك في توفير التّمويل والائتمان اللذين تحتاجهما الشّركة لتنفيذ مشروعاتها وأعمالها.
  • قيادة الجانب الاجتماعيّ للوضع الربحيّ داخل تلك الشّركات، حيث يسعى أصحابها إلى الظهور في مكانة اجتماعية كبيرة، تعبّر عن صورتهم الإيجابيّة في السّوق والمجتمع، فيجعلهم يسعون إلى تعظيم الأرباح لتحقيق ذلك الهدف.
  • استقرار الإدارة وآلية اتّخاذ القرار نتيجة لعدم تعقّد الهيكل الإداريّ والتّحرّر من إجراءات اللّوائح.
  • ارتفاع درجة الحماس بين أفراد العائلة لإنجاح الشّركة.
  • ظهور الصّراعات بين الأولويات الاقتصادية والأهداف العائليّة، وتفوق المؤثّرات العاطفية، ممّا يؤدّي إلى ضعف جودة القرارات المتّخذة(زيرق، 2019، صفحة 207).

وقد أكّد لنا السّيد موريس قبطي هذه الخصائص المميّزة للعمل ضمن الشّركات العائليّة، حيث صرّح خلال المقابلة التي أجريت معه (قبطي، 2024)، بـأنّ فكرة العمل بمجال صناعة المفروشات بدأت مع جدّه منذ العام 1995، ومن ثمّ طوّر فكرة هذا العمل والده، إلى أن دخل السّيّد موريس ميدان العمل مع أهله، وكان يتابع تعليمه في الوقت نفسه، وعندما بلغ مرحلة التّخصّص، اختار مجالًا يخدم هذا العمل، فتخصّص في “التّجارة والمحاسبة” بهدف متابعة عمل والده، على أن يتابعه ابنه في المستقبل؛ وكانت بداية العمل، حسب ما أفاد السيد موريس، مع الجدّ الذي امتهن تصليح وتنجيد المفروشات، أمّا والده فكان يقوم بشراء المفروشات المستعملة والقيام بتصليحها وتجديدها لإعادة بيعها، وعندما بدأ السّيّد موريس بالعمل معهم، عمد إلى توسعة مكان العمل بشراء محل إضافي كبير؛ ليفتتح غاليري باسم “مفروشات القبطي” الذي تخصّص في بيع الأثاث المنزليّ والأدوات الكهربائيّة، مع الحفاظ على عمل الوالد في تجديد وصيانة المفروشات المستعملة.

من هنا، نرى أنّ تأصيل مبدأ التّخصّص وتوارث الخبرات من أبرز خصائص الشّركة العائليّة، فهي تسهم في نقل وتطوير المعارف والخبرات والتّجارب المهنيّة من جيل إلى آخر، وتدفع أصحاب العمل نحو التّخصّص العلميّ لإتقان أساليب وسبل تطوير العمل بشكل أفضل لإنجاحه وضمان استمراريّته.

كما يسهم العمل ضمن شركة عائليّة في تحقيق الاستقرار النّفسيّ والرّضا الوظيفيّ، وقد أكّد السّيّد موريس ذلك، نظرًا إلى أنّ العمل يجري مع أشخاص نثق بهم ونرتاح لهم، فتزيد الثّقة بالنّفس والاطمئنان في مقرّ العمل، وتكون المصلحة واحدة والهدف واحد.

مراحل نموّ وتطوّر الشّركات العائليّة

عادة ما تمرّ الشّركات العائليّة بثلاث مراحل من التّطوّر، تتميّز بخصائص معيّنة؛ يمكن تلخيصها كالآتي:

  • مرحلة المؤسّس أو المؤسّسون

هي المرحلة الأولى لإنشاء الشّركة العائليّة، وتكون ملكيّة الشّركة بالكامل للمؤسّس (المؤسّسون)، وقد يلجأ بعض المؤسّسين إلى استشارة عدد قليل من المستشارين الخارجيين و/أو رفقاء العمل، لكنّهم يتّخذون غالبيّة القرارات الرّئيسة بأنفسهم؛ وتتسم هذه المرحلة بالتزام شديد من قبل المؤسّس بالعمل على تحقيق النّجاح لشركته، كما تتسم بهيكل حوكمة بسيط. ولعلّ أهمّ تحدّي تواجهه الشّركة العائليّة في هذه المرحلة هي خطط انتقال الملكيّة؛ لأنّ اكتمال تطوّر الشّركة إلى المرحلة التّالية يحتّم على المؤسّس اتّخاذ الجهود اللّازمة للتّخطيط لانتقال الملكيّة، ولإعداد القائد التّالي للشّركة (التميمي، 2018، الصفحات 16-17).

وللنّظر في مثال عمليّ حول كيفيّة تأسيس عمل ضمن شركة عائليّة، أجرينا مقابلة مع السّيّدة “فاديا عمون” التي أشارت إلى أنّ فكرة عملها بدأت عام 1990، عندما مرّت العائلة بضائقة اقتصاديّة، فأرادت العمل لتحسين مستوى معيشتهم، فلجأت إلى الاستفادة من مستودع يمتلكه والدها، وعمدت إلى تجهيزه ليكون محل لبيع الخرضوات، نظرًا للخبرة التي امتلكتها في هذا العمل من خلال العمل مع أبيها الذي اعتاد أن يبيع معدات زراعيّة لمزارعي البلدة قبل التهجير؛ فبدأت السّيّدة فاديا العمل ببيع عدد قليل من المعدات الزّراعيّة، ومع الوقت توسّعت تجارتها وأصبح المحل يتضمّن العديد من التّجهيزات والمعدّات الزّراعيّة والصّناعيّة… وقد ساعدها في العمل كلّ من زوجها وأولادها، وسيستلم قريبًا ابنها العمل عنها، خاصّة أنّه تخصّص في مجال إدارة الأعمال؛ لتكون لديه القدرة على تطوير وتوسيع العمل مستقبلًا (عمون، 2024).

يمكن لنا أن نستنتج ممّا أوردته السّيّدة عمون، أنّ تأسيس شركة عائليّة يحتاج إلى دافع قويّ وإصرار وصبر، بدءًا من ابتكار فكرة العمل والتّخطيط الجيّد لها، ثمّ الاستفادة من الموارد المتاحة لتنفيذ الفكرة والاجتهاد في تطويرها.

ويتّضح أنّ العمل في اطار شركة عائليّة يضفي أجواء من الاتّحاد بين أفرادها؛ وهذا ما يعني الانسجام غالبًا في أخذ القرارت، وفي تحديد المصلحة العامّة المشتركة، والحرص على الحفاظ عليها؛ وهو ما يسمح أيضًا، بوضع المخطّطات وتنفيذ المشاريع من دون إضاعة الفرص والوقت، فيشعر أفراد الاسرة في هذه الحالة بالالتزام وبأهمّيّة الحفاظ على الشّركة ومقدّراتها البشريّة والماديّة، والابتعاد قدر الإمكان عن كلّ ما يمكن أن يسبّب الخسارة في العلاقات وفي العمل.

  • مرحلة إشراك الأبناء (الجيل الثّاني)

في هذه المرحلة، تنتقل إدارة وملكيّة الشّركة إلى أبناء المؤسّس (المؤسّسون)، ونظرًا لانضمام مزيد من أعضاء العائلة إلى الشّركة، فإنّ مشاكل الإدارة ستصبح معقّدة نسبيًّا عمّا كانت عليه في المرحلة الأولى من إنشاء الشّركة؛ ومن بين أهمّ التّحدّيات الشّائعة في هذه المرحلة، الحفاظ على التّجانس بين الأبناء، وتنظيف عمليّات وإجراءات العمل، وإرساء قنوات الاتّصال الفعّالة بين أعضاء العائلة، وتأمين خطّة انتقال المناصب الإداريّة الرّئيسة (غلاب، 2019، صفحة 252).

وقد شرحت لنا السّيّدة فاديا طنّوس كيفيّة تأسيس عملها في بلدة مغدوشة وافتتاح مطعمها، وكيفيّة انتقال العمل من أمّها إليها ثمّ إلى ابنها، خلال مقابلة أجريناها معها، حيث صرّحت أنّ أمها كانت تطبخ لبعض العائلات في الضّيعة، خصوصًا في المناسبات والأعياد، ومنذ العام 1993 بدأت تساعد والدتها في إعداد هذه المأكولات والحلويات، إلى أن أصبح لديها القدرة على افتتاح مطعم صغير، وتلبية عدد أكبر من الزبائن، وذلك بمساعدة زوجها وابنها الذي توجه لدراسة الفندقيّة؛ ليكون ملمًّا أكثر بأصول العمل وتطويره (طنوس، 2024).

إنّ الدّافعية والاهتمام والرّغبة إلى جانب الرّوابط العائليّة القويّة تساعد الأبناء على اتّخاذ قرار متابعة المسار المهنيّ للأهل، إذ يُخلَق لديهم حافز قوي لتطوير العمل بما يتناسب مع قدراتهم العلمية وإمكاناتهم الإبداعيّة. الأمر الذي يساعد على ضمان استدامة العمل العائليّ عبر انتقالها إلى الجيل التّالي.

  • مرحلة اتّحاد الأقرباء (الجيل الثّالث)

في هذه المرحلة تزداد تعقيدات حوكمة الشّركة مع تزايد انضمام أفراد العائلة في أعمالها، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، بما في ذلك أبناء الأخوة وأبناء الأعمام والأصهار. ونظرًا لانتماء كثير من هؤلاء الأفراد إلى أجيال وفروع مختلفة من العائلة، فقد تتباين أفكارهم بشأن كيفيّة إدارة الشركة ووضع استراتيجيّتها العامة.

وعلاوة على ذلك، من المحتمل بدرجة كبيرة أن ينتقل أيّ صراع كان قائمًا بين الأخوة في المرحلة السّابقة إلى جيل أبناء العمومة أيضًا؛ ونتيجة لذلك، تنطوي هذه المرحلة على معظم قضايا الحوكمة العائلية. ومن أكثر القضايا المعروفة التي تواجهها الشركات العائلية في هذه المرحلة: توظيف أفراد العائلة، وحقوق المساهمين من العائلة، وتسييل الأسهم، وسياسة توزيع الأرباح، ودور أفراد العائلة في الشّركة، وفضّ المنازعات في العائلة ورؤية العائلة ورسالتها (مولاي، 2013، صفحة 188).

وللوقوف عند عمل الأقرباء مع بعضهم، عمدنا إلى إجراء مقابلة مع السّيّد “جورج يونان” صاحب سوبر ماركت، في بلدة مغدوشة، وقد أطلعنا على تاريخ عمله في السوبر ماركت حيث قال: “استلمت عملي في السوبر ماركت من أبي الذي ورثه عن جدي، حينها كان المحلّ غرفة صغيرة، لم أكن صراحة بوارد استلام هذه المصلحة، فأنا کنت أدرس اختصاصًا احبّه وأسعى إلى السّفر خارج لبنان، ولكن مع الجهد في تطوير العمل وتنظيمه، قمت بشراء محلّ ملاصق للمحلّ، بهدف التّوسيع والتّطوير كلما استطعت. هذه المصلحة كان يعمل فيها ثلاث أسر من العائلة، وكلّ واحد منهم يعرف دوره ضمن قسم معيّن خلال وقت محدّد.

حقّقت هذه المصلحة الكثير، كالرّفاهية العالية لي ولعائلي، وللعائلات التي تعمل معي أيضًا؛ حاليًا، أدير المحلّ بكلّ جوانبه، وأؤمّن طلبات كلّ الزبائن، وبفعل التّعاون والشّراكة مع أقاربي، خاصّة مع تحديد مهامّ كلّ شخص، واحترامنا لآراء الجميع ولأفكارهم ولتطلعاتهم في ما يخص السوبر ماركت، بتنا مقصدًا للجميع وزاد نجاحنا” (يونان، 2024).

نستنتج هنا، أنّ عمل عدد من أفراد العائلة الواحدة يساعد على تخطّي العقبات، ويسهم في إنجاز العمل بشكل أسرع وأسهل، لمعرفة أفراد العائلة بقدراتهم وطاقاتهم ومواهبهم ومدى قدرتهم على العمل في مجال ما، فضلًا عن الطّباع والصّفات التي يتسمون بها على المستوى الشّخصي، ما يسهّل أمر توزيع المهمّات والحصول على أفضل النّتائج وتحقيق الأهداف، إذ إنّ نجاح الشّركات العائليّة لا يقوم فقط على الأرباح الماليّة التي تكسبها إنّما على القيمة المضافة التي تحقّقها للمستثمرين، وهم عادة أفراد العائلة، فنجاحها يقوم على مدى قدرتها على خلق قيمة اقتصاديّة وتنافسيّة جيّدة في السّوق، وما تحقّقه أيضًا من قيمة مضافة اقتصاديّة لأفراد العائلة.

إيجابيّات وسلبيّات العمل في الشّركات العائليّة

لا بدّ لنا من تحديد أبرز إيجابيّات وسلبيّات العمل في الشّركات العائليّة، خاصّة في ما يتعلق ببيئة العمل والعاملين والإجراءات الإداريّة:

  • الإيجابيّات

يحب الكثير من الاشخاص العمل في شركة عائليّة، فهذا يسمح لهم تحقيق العديد من الطّموحات، ويتيح حرية أخذ القرار، ويساعد على بلوغ تطور أكبر من ذلك الذي يتحقّق من خلال الوظيفة التّقليديّة، وتضاف الى هذا عدد من الفوائد الأخرى:

  • يوفّر العمل في إطار شركة الأسرة أجواء من الاتّحاد بين أفرادها؛ وهذا ما يعني الانسجام غالبًا في أخذ القرارت، وفي تحديد المصلحة العامّة المشتركة والحرص على الحفاظ عليها، وهو ما يسمح أيضًا بوضع المخطّطات وتنفيذ المشاريع من دون إضاعة الفرص والوقت.
  • في هذه الحالة، يشعر أفراد الأسرة بمسؤولية وحرص تجاه الحفاظ على الشّركة ومقدّراتها البشريّة والمادّيّة، ويسعون إلى الابتعاد قدر الإمكان عن كلّ ما يمكن أن يسبّب خسائر، سواء على المستوى المادّيّ أو في العلاقات. ولهذا، فإنّهم لا يضيّعون الوقت، ولا يهدرون الطّاقة، ولا الوسائل، من دون الحصول على نتيجة مرضية.
  • في الظّروف الصّعبة، يمكن لاتّحاد أفراد الأسرة أن يساعد على إيجاد الحلول الفضلى للمشاكل، وأن يعيّن على مواجهة التّحدّيات، وتخطّي المعوّقات، واجتياز الحواجز.
  • في حال العمل ضمن الشّركة العائليّة، يعرف كلّ من أفراد الأسرة قدرات الآخرين وطاقاتهم ومواهبم ومدى قدرتهم على العمل في مجال ما، فضلًا عن الطّباع والصّفات التي يتّسمون بها على المستوى الشّخصيّ؛ فيصير توزيع المهمّات أمرًا سهلًا وفعّالًا، كما أنّه يسهّل الحصول على أفضل النّتائج وتحقيق الأهداف؛ وفي هذه الحالة يشعر الأفراد العاملون ضمن الشّركة بالرّاحة النّفسيّة، فيضمن تعزيز القدرة على العطاء والإبداع، كما أنّه يشجّع على تقديم الأفكار الخلّاقة والفريدة.
  • السّلبيّات

على الرّغم من الإيجابيّات الكثيرة التي يمكن أن ينطوي عليها العمل ضمن المؤسّسة العائليّة، من الممكن أن يؤدّي هذا في المقابل إلى ظهور بعض السّلبيّات:

  • بحكم التّقارب بين أفراد الأسرة الواحدة من الممكن أن تشهد أجواء العمل بعض المشادّات؛ والسّبب أنّهم يعملون كأنّهم في المنزل.
  • في حال استُقدِم موظّفون من خارج دائرة العائلة، قد يسعى بعض أفرادها إلى منافسة هؤلاء من أجل إثبات تفوّقهم كمالكين ومؤسّسين، وهو ما قد يشيع أجواء من التّوتّر وعدم الارتياح.
  • قد يستغل بعض أفراد الأسرة صلاحيّاتهم ويفرضون آراءهم ووجهات نظرهم بطريقة تعسفيّة؛ وفي هذه الحالة من الممكن أن يطلبوا مثلًا من الموظّفين الآخرين القيام بمهمّات غير مفيدة، أو لا تصبّ في مصلحة العمل العامّة، أو تؤدّي إلى نتائج غير مرضية.
  • قد لا يتمكّن كلّ أفراد العائلة من الفصل بين حياتهم الأسرية وتلك المهنيّة، ومن الممكن أن ينقلوا بعض هواجسهم الخاصّة إلى المكتب أو المؤسّسة، وهو ما قد يؤثّر سلبًا على حسن سير العمل.
  • من الضّروري في المقابل أثناء العمل في شركة عائليّة عدم نقل المشاكل المهنيّة الى المنزل؛ وهكذا يمكّن من الشّعور بالتّوزان والارتياح على المستوى النّفسيّ، فيضمن تقديم آداء مهنيّ وأسري مميّز في الوقت نفسه.(دياب، 2020)

الحوكمة

لا بدّ للجيل الأوّل والثّاني للشّركة العائليّة التي يرغب أفرادها وأعضاؤها -بغضّ النّظر عن حجمها- أن يحدّدوا الأولويات، إمّا الرّغبة في الاستمرار والنّموّ ضمن الشّكل التّلقائيّ الشّفّاف عبر الرّوابط العاطفيّة والأسريّة، وبالتّالي احتمال انقسام الشّركة في جيلها الثّالث قد يكون واردًا بقوّة، وإمّا التّطوير المحكم المعتمد على قوانين ودستور ينظّم علاقات أفراد العائلة المالكين والإداريين، وبالتّالي احتمال استمرارها وتطوّرها في النّجاح هو الاحتمال الأرجح، وهو ما نطلق عليه بالحوكمة.

  • إنشاء مجلس إدارة عائليّ مصغّر مؤلّف من الأفراد الذين يديرون العمل فعليًا وممّن لا يديرونه؛ لكنّهم يملكون حقوقًا في الشّركة؛ ولهذا من الأهمّيّة تعزيز مبدأ المشاركة في التّخطيط واتّخاذ القرارات الاستراتيجيّة، الذي يعزّز الشّفافيّة، ويسهم في الابتكار.
  • خلق دستور عائليّ قانونيّ يعزّز مبدأ الثّواب والعقاب في الإدارة والمحاسبة، ضمن الأطر الإدارية التي تعمل على إضفاء روح المبادرة والتّفاني والإخلاص والابتعاد عن الأنانيّة الفرديّة، وتعزيز روحيّة فريق العمل.
  • تعيين خبير أو عضو مجلس إدارة من خارج العائلة ذي كفاءة معيّنة، وصوت ترجيحيّ في اتّخاذ القرارات الهامّة التي قد تكون محلّ خلاف أو اختلاف بين أفراد العائلة، بحيث يكون هذا الخبير مؤهّلًا إمّا أكاديميًّا أو بالخبرة العمليّة، قادرًا على حسم الخلاف.
  • التّركيز على المصلحة العامة للشّركة، وليس على المصالح الشّخصيّة التي من شأنها خلق مناخات للانقسام وتشتيت تطبيق الاستراتيجيّة بالشّكل الصّحيح، وبالتّالي رفع الكلفة الانتاجيّة، وخفض القيمة المعنويّة والفكريّة (مغنية، 2020).

الشّركات العائليّة في لبنان… تاريخيًا

تأسّست هذه الشّركات في مجتمع تعدّ فيه عوامل التّغيير سريعة، وكذلك عايشت هذه الشّركات حروبًا وحوادث أمنيّة، وأزمات اقتصاديّة مختلفة في تأثيراتها، حسب موقع الشركة وقربها الجغرافيّ من مناطق التماس أو ساحة القتال. ويعود تاريخ تأسيس بعض هذه الشّركات إلى العام 1857، ومعظم الشّركات العائليّة التي تأسّست في نهاية القرن التّاسع عشر، غلب عليها الطّابع الحرفيّ والبساطة في بدايتها، إلّا أنّها وعلى الرّغم من نشأتها الحرفيّة العائليّة الخاصّة، تمكّنت عن طريق التّوارث التّقليديّ أن تنتقل عبر الأجيال، وقد مكّنتها مواكبتها للحداثة وإتقانها لفنّ الإدارة العصريّة والتّطوّر التّكنولوجيّ، مع فخرها بتاريخ تأسيسها العريق، أن تتجدّد منذ تأسيسها في الخمسينيات مع الحفاظ على طابع التّوريث الذّكوريّ، خاصّة لمن كان يؤدّي أدوارًا حيوية فيها (شريف، 2017).

وهناك العديد من الشّركات العائليّة اللّبنانيّة المعروفة التي نجحت وتناقلتها الأجيال؛ وبعض هذه الأعمال تشمل (الشركات العائلية اللبنانية المعروفة، 2024):

  • خوري وأولاده: تأسست عام 1890، هي واحدة من أقدم شركات المجوهرات وأكثرها احترامًا في الشّرق الأوسط.
  • مجموعة فنادق سيدار: تأسسّت هذه المجموعة الفندقية المملوكة عائليًّا عام 1953، وتدير عدّة فنادق فاخرة في لبنان وحول العالم.
  • مجموعة منصور: تأسّست عام 1960، ولها مصالح في صناعات مختلفة مثل السّيّارات والأدوية والأعمال التّجاريّة الزّراعيّة.
  • صعب وشركاه: تأسّست عام 1966، هي إحدى شركات البناء والهندسة الرّائدة في لبنان.
  • مجموعة سكيك: تأسّست هذه الشّركة العائليّة في عام 1947، ولها مصالح في مختلف الصّناعات؛ مثل: العقارات وتجارة التّجزئة.

هذه مجرد أمثلة قليلة عن العديد من الشّركات العائليّة اللّبنانيّة النّاجحة التي صنعت لنفسها اسمًا في مختلف الصّناعات.

الشّركات العائليّة اللّبنانيّة بعد الأزمة الاقتصاديّة

على الرغم من مضي أكثر من أربع سنوات على الانهيار النّقديّ والماليّ والاقتصاديّ، فإنّ القطاع الخاصّ الذي تشكّل الشّركات العائليّة حوالي ٨٥ % من مجموع عامّ الشّركات العاملة فيه، ما زال لبنان واقتصاده صامدان بفضلها بعد أن تأقلمت مع التّطوّرات الحاصلة، خصوصًا على صعيد الدّولار والتّقلّبات الحادةّ في سعر الصرف.

وعلى الرغم أنَّها شركات تعتمد على العائلة وتعاقب الأجيال في نظامها، إلّا أنّها تؤدّي دورًا مهمًا في الاقتصاد والمجتمع وفي مدّ الخزينة اللّبنانية بالإيرادات المطلوبة لتحقيق النّموّ المستدام وتأمين فرص العمل وتبديد شبح البطالة عن شبابنا الخريجين، إذ إنّ ٨٥% من الشّركات في لبنان هي شركات خاصّة، تشكّل الشّركات العائليّة نسبة ٩٥% منها، أي أنّ ٩٠% من المؤسّسات الخاصّة هي مؤسّسات عائليّة (فهد، 2024).

إنّ نجاح الشّركات العائليّة لا يقوم فقط على الأرباح المالية التي تكسبها إنّما على القيمة المضافة التي تحقّقها للمستثمرين، وهم عادة أفراد العائلة، فنجاحها يقوم على مدى قدرتها على خلق قيمة اقتصاديّة وتنافسيّة جيّدة في السّوق، وما تحقّقه أيضًا من قيمة مضافة اقتصاديّة لأفراد العائلة أو المستثمرين.

وقد تأثرت شركات القطاع الخاص سلبًا بالأزمة الاقتصاديّة التي حلّت على لبنان، ولا سيّما تلك الصّغيرة التي ما استطاعت المقاومة، واضطرّت إلى الخروج من السّوق، حيث ارتفعت الكلفة والمصاريف، فصارت المؤسّسات الخاصّة تعاني الأمرّين، وتراجعت المبيعات بفعل التّخبّط داخل السّوق، وبفعل التّلاعب السّريع في أسعار الصّرف، فخسرت بعض الشّركات رأسمالها، وبعضها الآخر خسر جزءًا كبيرًا منه؛ ومن استطاعت التّأقلم وتدبّرت أمورها بقيت في السّوق مستمرّة لكن بصعوبة.

دور الشّركات العائليّة في التّنمية الاقتصاديّة

قامت الشّركات العائليّة، ولا تزال، بدور كبير في التّنمية الاقتصاديّة الوطنيّة للبلدان التي تنتمي إليها، ولم يقلّ هذا الدّور حتّى في الدّول المتقدّمة صناعيًا، ذات الشّركات الضّخمة!

تمثّل الشّركات العائليّة مكانةً كبيرةً في اقتصاديّات الكثير من دول العالم، بغضِّ النّظر عن تنوّع النّهج الاقتصاديّ لهذه الدّول، ومكانتها على خريطة الاقتصاد العالميّ، وتتّضح هذه المكانة من خلال ما تقوم به من دور مهمّ في عمليّة التّنمية البشريّة، وتسهم في العمل على الحدِّ من مشكلة البطالة؛ وتعمل – عبر التّوسعات في الأعمال والتّطوير المستمرّ- على زيادة عدد الوظائف المتاحة، وهذا الدّور يمثّل قيمة اقتصاديّة واجتماعيّة كبيرة للمجتمع ككلّ؛

وعلى الرّغم من كلّ ذلك نجد أنّ هذا الدور الكبير والمهمّ الذي تقوم به هذه الشّركات، لا يسلم من وجود نقص مهمّ وخطير يتعلّق بالشّركات العائليّة ذاتها! ألا وهو إمكانيّة عدم استمراريّة هذه الشّركات؛ حيث إنّ من ضمن خصائصها أنّ عامل السّلوك الإنسانيّ والطّبيعة البشريّة قد يغلب على قرارات هذه الشّركات في أوقات كثيرة، وقد ينتج عن مثل هذه القرارات المتأثّرة بعامل السّلوك الإنسانيّ عدم الأخذ بوسائل الإدارة الحديثة، وعدم الاستفادة من الخبرة من خارج نطاق العائلة، أو عدم الأخذ بمبدأ التّدريب المستمرّ للعاملين المنتمين لهذه الشركة، أو عدم الأخذ بالوسائل التّكنولوجيّة الحديثة في تطوير منتجات الشّركة، تحت حجّة تقليل النّفقات! ممّا قد يعرِّض هذه الشّركات إلى عدم مواكبة مثيلاتها، وعدم قدرتها على المنافسة، مفضيًا في النّهاية إلى انهيارها وخروجها من السّوق! (عيسى، 2007).

ولتأكيد دور الشّركات والمصالح العائليّة في التّنمية الاقتصادية المحلّية، أجرينا مقابلة مع السّيّد “إلياس قسطنطين”، صاحب شركة “إلياس للمنتوجات الزراعية”، وهو في الأصل مزارع من بلدة مغدوشة، عمل منذ الصّغر مع عائلته وأقاربه في تقطير زهر اللّيمون، وورث خبرته في مجال عمله من جدّه وأبيه، فأهالي منطقة مغدوشة مشهورون بتقطير ماء الزّهر، فهذه المنطقة من المناطق الغنّيّة بشجر اللّيمون “أبو صفير”.

تابع السّيّد إلياس العمل في تقطير الزّهر وازدهرت تجارته، ولم يكتف بما تقدّمه أرضه من محصول، فصار يضمن أراضي إضافية لزيادة الإنتاج بما يتناسب مع الطّلب، إذ زاد الطلب على إنتاج ماء الزّهر من خارج البلدة، ومع محافظته على الطّريقة التّقليديّة في التّقطير -أي على الحطب- عمد إلى توسعة مكان العمل، واستخدام عدد أكبر من المعدّات المتطوّرة الخاصّة بتقطير ماء الزهر وماء الورد، وعمل بمجال استثمار الأراضي حسب المواسم، مثل: كروم العنب والزّيتون والسّمّاق وغيرها وبيع منتوجاتها.

لا يعمل السّيّد إلياس وحده، بل يساعده جميع أفراد عائلته في المواسم على القطاف والتّقطير وفي بيع هذه المحاصيل وتوزيعها على الزّبائن، وتقوم العائلة الكبرى كالأصهرة وأولاد العمّ وغيرهم على تسويق المحصول وبيعه في بيروت؛ وبذلك، تعتاش أربع عائلات من خلال العمل مع السّيّد إلياس. (قسطنطين، 2024).

إنّ بيع ما تنتجه شركة السّيّد إلياس لا يتوقّف عند حدود بلدة مغدوشة، بل يتعدّاه إلى البلدات والمدن المجاورة، كما أنّ منتوجاته صارت مقصدًا للزّوّار والسّوّاح والزّبائن ممّن يطلبون شراء ماء الزّهر وماء الورد تحديدًا.

من هنا، نرى أنّ نجاح وتطوير واستمراريّة عمل الشركة لم يعد بالفائدة فقط على عائلة صاحب الشّركة والعوائل العاملة معه، بل تعدّاه إلى تحقيق استثمارات في الأراضي لتفيد أبناء البلدة وتنمية القطاع الزّراعي والتّجاريّ فيها.

التّجربة اللّبنانيّة للشّركة العائليّة

استنادًا إلى الدّراسة التي أجرتها الدّكتورة “منى شريف البضن” للحصول على درجة الدّكتوراه من الجامعة اللّبنانية بعنوان: “الشركة العائلية: انتقال السّلطة من جيل إلى جيل” عام 2016، أي ما قبل الأزمة الاقتصاديّة، يمكن لنا الاستفادة من بعض ما ورد فيها، للوقوف عند واقع التّجربة اللّبنانيّة للشّركات العائليّة، وقد توصّلت إلى أنّ الشّركات العائليّة باتت تستوعب 75 % من أبنائها وأحفادها في التّوظيف مقارنة بـ 20 % منذ ثلاثة أو أربعة عقود؛ ذلك لأنّ المفاهيم التي كانت تحكم العمل وتربطه بمفهوم الذّكورة وتلغي دور المرأة في الشّركات العائليّة انقرضت سريعًا، وتغيّرت المفاهيم الأسريّة والنّظرة التّقليديّة لجهة دخول المرأة ميدان العمل، وكذلك مفهوم أولوية الابن الأكبر الذي تحوّل إلى مفهوم من يمتلك المعرفة والمقدرة وحسّ المسؤوليّة أكثر من غيره، بمعنى أنّه لم يعد العمر يعني لأفراد العائلة سوى كونه رقمًا لا أكثر، ونموّ وتوسّع حجم الشّركة العائليّة بات يعدّ عامل جذب يحظى باهتمام جيل الشّباب في العائلة.

كما أنَّ جميع الأقسام تُدار من قبل أفراد من العائلة يمتلكون الكفاءة والشّهادات المتخصّصة في مجالاتهم، حيث صار لدى الشركة مديرون متخصصون في الهندسة الصناعية، والإدارة المالية، وفي المحاسبة وإدارة الأعمال والتسويق أيضًا. وقد بلغت نسبة أبناء العائلة الذين يشغلون المراكز الإدارية نحو 76 %، خاصّة مع زيادة التعقيد الإداري في الشركات الكبرى التي تتطلب مزيدًا من الاختصاصيين من أبناء العائلة.

ويرتبط مؤشر الأجر في الشّركة العائليّة بدلالات ذات معنى على مستوى الفاعلين من أبناء العائلة، إذ إنّ المساواة في الأجر تختلف عن التّساوي في الأرباح التي تتطلّب مراعاة الأقدميّة في العمل.

وتختلف معايير الأجر لأبناء العائلة من شركة  إلى أخرى، إذ إنّ بعضهم يميّزون بين من انضمّ حديثًا بعد تخرّجه، وبين من عمل لسنوات، وتبدو هذه المعايير عادلة من وجهة نظر الإدارة. أما في الحالات التي تغلّب فيها المؤثّرات العاطفيّة وتُفرض فيها المساواة، فإنّها تنتج شعورًا بالامتعاض والانزعاج بين الأبناء، الأمر الذي ينتج عنه انخفاض مستوى الأداء عند أبناء العائلة ونزاع مستتر لا يلبث أن يطفو على السطح عند أول تصادم، ما يفصح عن بداية حدوث النزاعات.

وقد أظهرت البيانات أنّ نسبة التساوي في الأجر بين أفراد العائلة داخل الشّركات العائليّة اللّبنانيّة تصل إلى 62.5 %،  فيما تُربط الأجور بالمهارة بنسبة 66.8 %، وتوزّع الأرباح بالتساوي بنسبة 70.4%.

إنّ المعطيات الإحصائيّة السّابقة، على الرّغم من كونها تعود إلى عام 2016، أي ما قبل الأزمة الاقتصاديّة، إلّا أنّها قدّمت تصوّرًا عامًّا حول واقع التّجربة اللّبنانيّة للشّركات العائليّة، لا سيّما في ظلّ غياب الدّراسات الحديثة حول واقع الشّركات العائليّة في لبنان وانعكاس الأزمة الاقتصاديّة عليها.

دور الشّركات العائليّة اللّبنانيّة في التّنمية المحليّة

في لبنان، تؤدّي الشّركات العائليّة دورًا مهمًّا في دعم المجتمع وتنمية الاقتصاد المحليّ، حيث تقوم بالعديد من المشاريع الخيريّة والاستثماريّة التي تعزّز التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة للمنطقة القائمة فيها.

ومثال على هذه المشاريع، المشروع الذي قامت به السّيّدة كريستي خوري، مع الإشارة إلى أنّ تنفيذ الفكرة بدأ مع والدتها، إذ كانت تمتلك قطعة أرض في بلدة مغدوشة مطلّة على البحر، فقررت القيام بمشروع (كافيه – صيفي)؛ ومن أجل تحسين المشروع، خضعت لدورات عديدة مع الجمعيّات لكسب الخبرة، كتعلّم إدارة مشاريع صغيرة بغية إدارة المشروع بشكل أفضل، وتخصّصت ابنتها السّيّدة كريستي بمجال إدارة الأعمال والمشاريع ثم بدأت العمل مع والدتها، واستقطب المقهى العديد من الزبائن من القرى القريبة والبعيدة، وكان تهافت النّاس وسرورهم بالمقهى حافزًا للعمل باستمرار على تطويره وتحسينه وتوسيعه بشكل مستمر.

وعندما تخرّج أخوها (رامي) من كلّية الهندسة، عمد إلى توسعة المقهى وإضافة الدّيكورات؛ ليصبح مكانًا خاصًّا بإحياء المناسبات الاجتماعية كالأعراس والأعياد والسّهرات، وتمّ افتتاح مطعم لتقديم الوجبات والمأكولات البحريّة (خوري، 2024).

تدير السّيّدة كريستي العمل إلى جانب أمها وأخيها، ويتقاسم الثّلاثة المهام الرئيسة، كالإشراف على تحضير الطّعام وتقديمه، ومتابعة التّجهيزات الكهربائيّة والإضاءة، ومتابعة الزّبائن وتنسيق الحجوزات، والإدارة الماليّة… بالإضافة إلى عدد من العاملين من العائلة.

إنّ مشروع السّيّدة كرستي الذي بدأ مع والدتها كمقهى صغير، تطوّر بفضل تضافر جهود العائلة وكفاءتهم العلميّة والمهنيّة؛ ليصبح مطعمًا وصالة، يستقطب الزوّار اللّبنانيّين من مختلف البلدات والمناطق اللّبنانيّة، ويقصده السّواح بفضل متابعة التّسويق له عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

إنّ الجهود المبذولة من قبل العائلة أسهمت في تحويل موقع المطعم إلى منطقة ذات طابع سياحيّ، وتنشيط الحركة التّجاريّة في الأسواق المجاورة لها؛ وبالتّالي، فإنّ خصوصيّة الشّركة العائليّة القائمة على التّكاتف والتّعاون والتّضحيات بين أفراد العائلة، بوصفها عاملًا أساسيًّا في تحقيق النّجاح والتّطوير والاستمراريّة، كما تؤدّي دورًا فاعلًا في تحقيق التّنمية المحلّيّة وتنشيط القطاعات الإنتاجيّة والخدماتيّة.

أسباب فشل استمرار الشركات العائلية

الهدف الرّئيس لأيّ شركة عائليّة عند القيام بالتّخطيط للتّعاقب هو ضمان الانتقال السّلس للثّروة والكيان التّجاريّ من جيل لآخر، مع الحفاظ على الانسجام الأسريّ وتحقيق الإدارة المثلى للشّركة، ومع ذلك تفشل الكثير من الكيانات التّجاريّة والاستثماريّة العائليّة في التّخطيط لهذا التّعاقب؛ لاعتمادها على نهج تقليديّ غير مدروس، عوض العمل على إنجاز هذه المهمّة بشكل مستمرّ على المدى الطّويل، ومن بين أهمّ أسباب فشل استمراريّة الشّركات العائليّة عبر الأجيال:

  • عدم استيعاب الأجيال الجديدة لرسالة الشّركة ورؤيتها، إلى جانب انهيار الثّقة والتّواصل داخل الأسرة.
  • عدم إعداد الجيل الجديد لتولّي المسؤوليّات الإداريّة في الشّركة.
  • الإهمال المهنيّ من الجيل الجديد.
  • عدم الاستفادة من القدرة على دمج الخبرات المهنيّة للجيل السّابق مع التّحصيل العلميّ للجيل الجديد.

خلاصة عامّة

أثبتت الشّركات العائليّة أنّها عصب الاقتصاد اللّبنانيّ، لا سيّما في ظلّ الظّروف الاقتصاديّة التي مرّ بها لبنان؛ فقد أظهرت نتائج المقابلات التي أجريت مع عدد من أصحاب هذه الشّركات أنّ آداء المؤسّسات العائليّة قويّ، ويعود ذلك إلى الترابط القوي بين أفراد العائلة الذي يخلق التزامًاعاليًا وآداء فعّالًا يدفع المؤسّسة نحو الاستمرار والنّجاح، وهو ما يميّزها عن باقي الشّركات الخاصّة.

تؤدّي الشّركات العائليّة دورًا مهمًّا في تأمين فرص عمل لأفراد العائلة المالكة وللعدد كبير من أفراد العائلة الكبيرة، وتسهم في تحسين مستوى معيشتهم وتحقيق الاستقرار الاجتماعي لهم.

يتيح العمل في الشّركات العائليّة الفرصة لأفراد العائلة في تحقيق التّنوّع التّخصّصي لهم؛ وبالتّالي يكون لكلّ فرد منهم دور في إنجاح العمل وتطويره.

تسهم الشّركات العائليّة في تحقيق الاستثمار الفعّال للممتلكات، كالأراضي الزّراعيّة والمحالّ والمخازن، من خلال تضافر جهود أفراد العائلة مجتمعين في الأعمال الزّراعيّة والصّناعيّة والتّجاريّة، كالعمل في قطاف المواسم الزّراعيّة، وبيعها في الأسواق، أو تحويلها إلى منتوجات استهلاكيّة.

إنّ عمل بعض العائلات ضمن مجال محدّد، كصناعة الصّابون، وصناعة المونة المنزليّة، وتحضير الألبان والأجبان… ساعدها على إنشاء شركات عائليّة، تشتهر ببيع منتوجاتها ضمن مواصفات مميّزة، فجعلها مقصدًا للسّيّاح وللّبنانيّين من مختلف المناطق، فأسهم ذلك في تنشيط السّياحة الدّاخليّة والخارجيّة.

إنّ عمل الشّركات العائليّة على الرّغم من أهمّيّته ودوره في تحقيق التّنمية في مختلف القطاعات قد يتوقّف، فاستدامة الشّركات العائليّة وانتقالها لأجيال متعاقبة، يحتاج إلى التّخطيط والمتابعة والتّطوير الإداريّ والتّنفيذيّ، مع وجود الثّقة والشّفافيّة والتّواصل بين أفراد العائلة العاملين، بالإضافة إلى استمرار الدّافعيّة لدى المالكين الجدد في الحفاظ على العمل وتطويره.

المراجع

الشركات العائلية اللبنانية المعروفة. (2024). تم الاسترداد من إجابة: https://www.ejaba.com/question

الميثاق الاسترشادي. (2018). الميثاق الاسترشادي للشركات العائلية السعودية، وزارة التجارة والاستثمار. تم الاسترداد من https://maaal.com/wp-

الياس قسطنطين. (21 نيسان, 2024). العمل ضمن شركة عائلية. (الباحثة، المحاور)

أيمن عمر. (2024). مآل الاقتصاد اللبناني بين الأزمة المالية وأعباء المواجهات جنوبًا. تم الاسترداد من https://studies.aljazeera.net/ar/article/5859

بيار الحايك. (22 نيسان, 2024). العمل ضمن شركة خاصة كاسكافيّ. (الباحثة، المحاور)

جورج يونان. (12 نيسان, 2024). العمل في شركة ذات طابع عائلي. (الباحثة، المحاور)

جوزيان فهد. (8 نيسان, 2024). الديار. تم الاسترداد من Leb economy: https://lebeconomy.com/

رامي عبيد، المصطفى بنتور، و الوليد طلحة. (2020). حوكمة الشركات العائلية في الدول العربية. أمانة مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، صندوق النقد العربي.

رندة الدبل. (2013). تقييم الشركات العائلية. عمان: دار البازوري.

ريكاردو حصري. (2024). الشركات العائلية تشكل ٨٥ في المئة من شركات القطاع الخاص. تم الاسترداد من Lebanon Economy: https://lebanoneconomy.net/ /

سناء دياب. (اكتوبر, 2020). العمل في شركة عائلية بين الايجابيات والسلبيات. تم الاسترداد من الجميلة: https://www.aljamila.com/node/

سوسن زيرق. (2019). اهمية حوكمة الشركات في ادارة النموذج الثلاثي للشركات العائلية. مجلة مينا للدراسات الاقتصادية.

عبد الإله الشهراني، لؤي مختار، و عبد الله المشرّف. (2021). تطور الشركات العائلية في السوق المالية السعودية. السعودية: هيئة السوق المالية.

علم الدين بنقا. (2023). دور الشركات العائلية في التنمية المستدامة في الدول العربية. سلسلة دراسات تنموية، المعهد العربي للتخطيط بالكويت.

علي أحمد مغنية. (مارس, 2020). الشركات العائلية بين مطرقة الإدارة وسندان الملكية. تم الاسترداد من الملف الاستراتيجي: https://strategicfile.com/

فاتح غلاب. (2019). إشكالية التحكم في استدامة الشركات العائلية من منظور حوكمة الشركات دراسة تحليلية. الجزائر: مجلة التنمية والاقتصاد التطبيقي، جامعة المسيلة.

فاديا طنوس. (17 نيسان, 2024). العمل ضمن شركة عائلية. (الباحثة، المحاور)

فاديا عمون. (17 نيسان, 2024). العمل ضمن شركة عائلية. (الباحثة، المحاور)

كريستي خوري. (5 نيسان, 2024). العمل ضمن شركة ذات طابع عائلي. (الباحثة، المحاور)

لخضر عبد الرزاق مولاي. (2013). جوكمة الشركات العائلية، ملتقى دولي: آليات حوكمة الشركات ومتطلبات تحقيق التنمية المستدامة. الجزائر.

محمود حسين عيسى. (2007). الشركات العائلية ودورها في التنمية البشرية والاقتصادية. تم الاسترداد من الألوكة الثقافية: https://www.alukah.net/culture/0/668/

منى محمد شريف. (2017). الشركة العائلية: انتقال السلطة من جيل إلى جيل. لبنان: أطروحة دكتوراه، الجامعة اللبنانية، بيروت.

موريس قبطي. (18 نيسان, 2024). العمل ضمن شركة عائلية. (الباحثة، المحاور)

نبيل فهد. (2018). الترتيبات والاجراءات التي يجب اتخاذها لضمان حسن انتقال الشركات العائلية من الجيل الى الجيل، غرفة بيروت وجبل لبنان بالتعاون مع جمعية خريجي جامعة HEC – باريس. تم الاسترداد من بوابة تمكين النساء اقتصاديا: https://www.weeportal-lb.org/ar

نعيم شبانة التميمي. (2018). الشركات العائلية في محافظة الخليل: المشكلات وسبل التطوير. فلسطين: رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة الخليل.

Eugster, N. (2019). Founding family ownership, stock market returns, and agency problems. Retrieved from Journal of Banking & Finance: https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0378426619301670

IFC. (2012). International Finance cooperation (IFC), 2012 “IFC Family Business Governance Handbook”. Retrieved from https;//www.ifc.org/wps/wcm/connect/2c93b2cb-dec6-4819ffb-60335069cbac/Family Business Governance Handbook.pdf? MOD=AJPERES7CVID=mskqtDE

PWC. (2012). Family Business survey,Family firm: A resilient model for the 21st century. Retrieved from https://www.pwc.com/gx/en/pwc-family-business-survey/assets/pwc-family-business-survey-2012.pdf

PWC. (2021). Middle East Family Business Survey 2021,Diversifying ,investing ,digitising.

عدد الزوار:47

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى