أبحاثاللغة والأدب والنّقد

تطوّرُ التّأليفِ في الدّرس الصّرفيّ

                                   تطوّرُ التّأليفِ في الدّرس الصّرفيّ

Developing Authorship through Morphological Instruction

ريان حمادي[1]

Rayan Hamady

تاريخ الاستلام 25/3/ 2025                                      تاريخ القبول 14/4/2025

لتحميل البحث بصيغة PDF

المُلخّص

إنّ الدَّرسَ الصَّرفيَّ مِنَ العُلومِ العَرَبيَّةِ الَّتي ُتدرَسُ بِها أَبنيةُ الكَلامِ، وَما يَطرَأُ عَلَيها مِن تَغييرٍ، وَقَد نَشَأَ في مُنتَصَفِ القَرنِ الأَوَّلِ الهِجريِّ مَعَ عِلمِ النَّحوِ، وَبَعدَ ذلِكَ فقَد تَطَوَّرَ وَحدَهُ مُنفَصِلا. وَقَد سَعَتِ الباحِثَةُ في هذِهِ الدِّراسَةِ إِلى الكَشفِ عَن هذَا التَّطَوُّرِ، عارِضَةً مَراحِلَ تَطَوُّرِهِ، كاشِفَةً الدَّرسَ الصَّرفيَّ عِندَ القُدَماءِ وَالمُحدَثينَ، مُرفَقَةً بِنَماذِجَ تَطبيقيَّةٍ. فَالمُتَمَعِّنُ في الدَّرسِ الصَّرفيِّ يُدرِكُ قُوَى الاِختِلافِ في تَناوُلِ القَضايا الصَّرفيَّةِ بَينَ القُدَماءِ وَالمُحدَثينَ، سَواءٌ مِن ناحِيَةِ المادَّةِ أَوِ المَنهَجِ المُتَّبَعِ، وَذلِكَ نَتيجَةَ إِعادَةِ هَيكَلَتِهِ وَتَنظيمِ قَواعِدِهِ، وَضَبطِها مِن مَنظورٍ حَديثٍ يُسَهِّلُ عَلَى الباحِثِ استيعابَهُ وَفَهمَ قَواعِدِهِ مِن جِهَةٍ، وَمُواكَبَةِ التَّطَوُّراتِ العِلميَّةِ مِن جِهَةٍ أُخرى.

 

Abstract

The morphological lesson from the Arabic sciences in which the structures of speech are studied, and the changes that occur to them, and it arose in the middle of the first century AH with the science of grammar and after that it has developed on its own separately.  Its development, revealing the morphological lesson of the ancients and moderns, accompanied by applied models.  The study of the morphological lesson realizes the forces of difference in dealing with morphological issues between the ancients and the moderns, whether in terms of the material or the approach followed, as a result of its restructuring, organizing and controlling its rules from a modern perspective that makes it easier for the researcher to assimilate and understand its rules on the one hand and keep pace with scientific developments on the other hand.

 

أوّلا :مقدّمةُ الدراسة

لا يَخفى على أحدٍ ما لِلدَّرسِ الصَّرفيِّ من أهمِّيَّةٍ في صَوْنِ اللِّسانِ مِنَ الخطإِ في المُفرَداتِ، وذلكَ مِن حيثُ بِنْيَةِ الكَلِمةِ مِن داخِلِها، ومِن آخِرِها، ومُحاوَلةِ ضَبْطِ مُفرَداتِ اللُّغةِ ذاتِ البَيِّناتِ المُحدَّدةِ (الأسماءِ والأفعالِ)، وتصنيفِها إلى أنماطٍ مُحدَّدةٍ، بِحيثُ يُمكِنُ استِعمالُ مَجموعةٍ مُحدَّدةٍ مِنَ الصِّيَغِ، يُمكِنُ بِها التَّعرُّفُ على جميعِ أفعالِ اللُّغةِ وأسمائِها، ومُلاحظةِ الفُروقِ في تَراكِيبِها المُختلِفةِ؛ وذلكَ لأنَّ الدَّرسَ الصرفي هو “علمُ تولّدِ الألفاظ المختلفة والمعاني المتفاوّتة”.[2]‏فيه “تعرف أصول الكلام العرب من الزوائد الداخلة عليه، ولا يُصلُ معرفةُ الاشتقاق إلا به”.[3]نلاحظُ أنّ الصرفَ يدور حول التغيير والتبديل، ولكن مع بدايات النحو، حين أخذَ اللحن اللغوي يشيعُ خاصّةً بين الأعاجم  في الصدر الإسلاميّ الأوّل، اعترى اللسان العربيّ التبدّل بسبب اتّساع الدولة الاسلاميّة، ودخول غير العرب في الإسلام، ما جعلَ ثلةً من أهلِ العربيّة تتولّى الدّفاع عنها ممّا يعتريها، تبتغي صونها، فأصّلوا  للنحو ووضعوا الإعراب، وكان الدرس الصرفي مندرّجًا تحت الإعراب، وكانَ يُطلقُ عليه اسم العربيّة، لم تُفصل في أوّل عهدها ولم تُحدّد مباحثها.[4]ولم يستقرّ الدرس الصرفي عن النحو إلا في أطوارٍ لاحقة إذ تأصّلت فيها أصولٌ كثيرة.

إنَّ الناظرَ في القواميسِ العربيَّةِ يحتاجُ لأنْ يكونَ على معرفةٍ بالصَّرفِ ومسائلِهِ، فالخليلُ بنُ أحمدَ الفراهيديُّ (١٧٠هـ) يُصنِّفُ معجمَ «العينِ» واضعًا الكلماتِ فيه تبعًا لحروفِها الأصليَّةِ فقط، وعلى هذا النَّسَقِ سارَتْ معظمُ المعاجمِ؛ ومعنى ذلك أنَّ الناظرَ في المعاجمِ العربيَّةِ إنَّما يحتاجُ لمعرفةٍ صرفيَّةٍ بحروفِ الزِّيادةِ وطريقةِ تجريدِ الكلمةِ، وعليهِ لا بدَّ أنْ يكونَ على بيِّنةٍ من الثُّنائيِّ والثُّلاثيِّ الصَّحيحِ، والثُّلاثيِّ المعتلِّ، واللَّفيفِ والرُّباعيِّ والخُماسيِّ.

فمعرفةُ مسائلِ الدَّرسِ الصَّرفيِّ تُساعدُ في ضبطِ صيغِ اللُّغةِ العربيَّةِ، وتَجعلُ المُتعلِّمَ متمكِّنًا من ضبطِ مُفرداتِ اللُّغةِ ضبطًا سليمًا، وتُساعدُهُ على التَّمييزِ بينَ ما هو سماعيٌّ وما هو شاذٌّ وما يجبُ تجنُّبُه. ولكنَّ هذه المعرفةَ بالدُّروسِ الصَّرفيَّةِ قد تطوَّرَ التَّأليفُ فيها، ومرَّ بمراحلَ متعدِّدةٍ حتى استوى على صورتِهِ، وتباينَ ما بينَ القُدماءِ والمُحدَثين.

وقد أتَتْ هذه الدِّراسةُ لتُوضِّحَ هذا التَّطوُّرَ في الدَّرسِ الصَّرفيِّ. واقتضَتْ طبيعةُ الدِّراسةِ أنْ تكونَ موزَّعةً على تمهيدٍ يتضمَّنُ نشأةَ الدَّرسِ الصَّرفيِّ منذُ بدايتِهِ، موزَّعةً على ثلاثةِ مباحثَ:

سأتناولُ في المبحثِ الأوَّلِ الدَّرسَ الصَّرفيَّ عندَ القُدماءِ، أُبيِّنُ فيهِ مفهومَ الصَّرفِ ومراحلَ تشكُّلِهِ واستقلالِهِ عن علمِ النَّحوِ في الدَّرسِ اللُّغويِّ عندَ العربِ، مُدعِّمةً ذلكَ بنماذجَ تطبيقيَّةٍ.

أمَّا المبحثُ الثَّاني فسأتطرَّقُ فيهِ إلى مراحلِ تطوُّرِ الدَّرسِ الصَّرفيِّ.

ليأتيَ المبحثُ الثَّالثُ فأُقدِّمَ فيهِ الدَّرسَ الصَّرفيَّ عندَ المُحدَثينَ (المَدارسِ اللُّغويَّةِ الحديثةِ)، وأُبرِزَ تحليلَها لصورَةِ الدَّرسِ الصَّرفيِّ، والجُهودَ الَّتي بُذِلَتْ لتطوُّرِهِ، مُذيِّلةً الدِّراسةَ بخاتمةٍ موجزةٍ عن أهمِّ نتائجِها.

ثانيًا: إشكاليّةُ الدراسة:

لقد فرضَت طبيعة الدراسة الإجابة على إشكاليّةٍ فحواها:

  • ما هو الدرس الصرفي؟ كيف كان التأليف في الدرس الصرفي عند الأقدمين؟
  • كيف تطوّرّ التأليف في الدرس الصرفي؟ وما هي مراحل تطوّره؟ وكيف أتى عند المحدثين؟

ثالثًا: فرضيّاتُ الدراسة:

-لقد تطوّرَ التأليف في الدرس الصرفي وطرأ عليه عدّة تغييرات مع اتّصاله بعلم اللغة الحديث.

-يوجدُ اختلافٌ أساسيّ في التأليف للدرس الصرفيّ بين القدامى والمحدثين في ميادين عدّة.

 

رابعًا : المنهج المتبع: باعتبار الدّراسة تقوم على الاطّلاع على آراء القدماء، فقد اتّبعتُ المنهج التّاريخي الذي يدرسُ الماضي وسجّلاته ووثائقه؛ ويقومُ على الجمع والانتقاء والتصنيف وتأويل الواقع [5]. فقد أعانّني على استقراء الدّرس الصّرفي؛ ولتحليل ظاهرة التطوّر فقد اتّبعتُ المنهج الوصفي التحليليّ الذي ساعدني على فهم الظاهرة واستخلاص سماتها.

 

خامسًا: اختيار الدّراسة: إنّ من دوافع اختيار هذه الدراسة، كونها على صلةٍ بالموروث العربيّ القديم، والجدل القائم حولَ التطوّرات الحادثة في الدرس الصرفيّ.

 

سادسًا: تحليل نصّ الدراسة

التمهيد: إنّ التغيير الذي يطرأُ على بِنية الكلمة يكون لغرضٍ معنويٍ أو لفظيّ، والمرادُ ببنية الكلمة وزنها وصيغتها وهيئتها التي يُمكن أن تشاركها فيها. فالتغيير الذي يطرأُ لغرضٍ معنويّ هو كتغيير المفرد إلى المثنى أو الجمع كالتصغير والنسب وأخذ المشتقات من المصدر أو الفعل وتوكيد الفعل بالنون وغير ذلك.

أما التغيير الّذي يطرأُ لغرضٍ لفظيّ، “فيكون بحذف حرفٍ أو أكثر في الكلمة أو بزيادة حرفٍ أو أكثر عليها، أو بإبدال حرفٍ من آخر، أو بقلب حرفِ علّةٍ إلى حرفٍ آخر؛ أي أنّ هذا التغيير ينحصرُ في خمسة أشياءٍ هي الحذفُ والزيادة والنقل والإقلاب والإدغام.

لقد خصرَ علماءُ الصرف العرب الكلمات التي يدرسها الصرف في نوعين هما: الاسم المتمكّن والفعل المتصرّف، ويعدّ الميزان الصرفيّ أساسًا من الأسس التي ترتكزُ عليها دراسة علم الصرف، وهو أحد الموازين التي وضعها علماء العربيّة الأقدمين، إذ لاحظوا أكثر الكلمات على ثلاثة حروف. لذا فإنّهم اعتبروا أصول الكلمات على ثلاثة أحرف واختاروا مادة (فعل) الثلاثيّة.”[6]ولقد اهتمّ المحدثون بالدرس الصرفي كثيرًا، وسعوا وإلى إعادة هيكلته وهيكلة قواعده من منظورٍ جديدٍ، ليقدّم للباحثين والدارسين بطرقٍ أكثرَ ملاءمةٍ مع التطوّر العلميّ الذي حدثَ في المجتمع؛ فالدرسُ الصرفي أشرفُ شطري العربيّة وأعظمها، فالذي يُبيّن شرفه احتياجُ جميع المشتغلين في اللغة العربيّة من نحويّ ولغويّ أيّما حاجةٍ إليه، لأنّه يأخذُ جزءًا كبيرًا من اللغة بالقياس ولا يتوصّلُ إلى ذلك إلا عن طريق الدرس الصرفي”.[7]مع العودة إلى الموروث اللغويّ القديم؛ بل لا بدّ أن يكونَ تأكيدًا لقيمته “لأنّ الموروثَ هو نقطة الانطلاق في الدرس الصرفي، وقد تطوّر التأليف فيه بمراحل متعدّدة حتى وصلَ على صيغته اليوم. والبحث اللغوي الحديث يتناولُ  مسائل الصرف على أساسٍ صوتي بدلا من اعتماد القدماء على الكتابة في تحديث الكلمة، فكلّ مجموعةٍ من الحروف تُكتب مجتمعةً وتأخذُ شكلا مستقلا في الكتابة اعتبرها القدماء كلمة، في حين يتعاملُ البحث اللغويّ الحديث مع الوحدة الصرفية مورفيم morphème. فالصرفُ في علم اللغة الحديث هو أحد مستويات البحث في دراسة اللغة، وهذه المستويّات على أشهر الآراء هي: علم الأصوات، علم الصرف، علم النحو والدراسات المعجميّة الدلاليّة”.[8]

المبحثُ الأوّل: الدّرس الصرفي عند القدماء

لقد كانَ علما النحو والصرف معًا في النشأة، بعدما شُعِر بالحاجة الملّحة إليهما بسبب تفشّي اللحن، ولفهم النصّ القرآنيّ باعتباره مناطَ الأحكام الّتي تنظّم الحياة.[9]وأوّلُ كتابٍ ظهر في النحو هو كتاب سيبويه (١٨٠ه) الذي مازجَ فيه بين مباحث النحو والصرف، وضمّ أيضًا ابن جني (٣٩٢ه ) مباحث تنتمي إلى علم الصرف الذي كانت ملامحه قد اتّضحت في عصره، وصنّفَ فيه كتبًا معرفًا النحو بأنّه انتحاءٌ سمَت كلامُ العرب في تصرفه من إعرابٍ وغيره كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير والإضافة والنسب والتركيب وغير ذلك، ليلحق من ليس من أهل العربيّة بأهلها في الفصاحة “[10] وبعد عصر ابن جني عُرف التصريف بأنّه جزءٌ من أجزاء النحو بلا خلافٍ من أهل الصناعة، يقول:”إنّك لا تكادُ تجدُ كتابًا في النحو إلا والتصريف في آخره …”[11] “فالتصريف إذًا لمعرفة أنفس الكلم الثابتة. ثمّ جاء المازني (٢٤٧ه)، فأخذ من كتاب سيبويه الأبواب الصرفية، وعرضَها وحدها في كتاب التصريف، وهو أوّل الكتب الّتي أفردت لأبواب الصرف مؤلّفًا خاصًا بها. وقد تفاوتَ الدارسون تفاوتًا بيّنًا في تقدير كتاب المازني، إذ نجدُ من جهةٍ أنّ الكتابَ حظي بتقدير القدماء، فشُرح شروحًا متعدّدةً، وكذا نوّهَ بعض المعاصرين بقيمته الأدبيّة العلميّة، ونجدُ بعض المعاصرين يقلّلُ من قيمة الكتاب العلميّة، ويُقرّرُ أنّه مستقلٌ عن كتاب سيبويه لا غير؛ بل إنّه لم يصل إلى حدّ استيعاب أبواب الصرف ومسائله، كما استوعبَ ذلك سيبويه”.[12]ما لبثَ أن أصبح التأليف في الدرس  الصرفي نموذجًا مستقلا يختلفُ عن النموذج النحويّ وله نظريّته الخاصّة.

“ذهب الكثيرون من الباحثين إلى أنّ واضع علم الصرف هو معاذ بن مسلم الهراء (١٨٧ه) من أعلام مدرسة الكوفة الأوائل،  ولكنّ هذا الرأي غير موثوقٍ به، فقد كان علماء اللغة في أول عهدهم في التصنيف في العربية والنحو والصرف والعروض بصفةٍ عامّةٍ، وكان العالم بالعربيّة لغويًا نحويًا إخباريًا روايةً، ثمّ انفصلت العلوم العربيّة بتنوّع مدارسها وبالتفاف الطلاب حول أساتذتهم في نوعٍ معيّن من علوم اللغة”. [13]وبذلك يكون مُؤلَف (التصريف) الذي أنشأه المازني ( ٢٤٧ه) الأثر البالغ الأهميّة في سياق تطوّر الدرس الصرفيّ، حيث أعلنَ أحقيّة هذا العلم بالتميّز والاستقلال في المنهج وفي نوع القضايا، وفتحَ الجهود أمامَ النحاة لاستقالة علم الصرف عن النحو.

أدّى تطوّر الدرس الصرفي من جهة المنهج، وحدود القضايا التي تدخلُ فيه ومنه، للوصول في نهاية المطاف إلى نظريّة صرفيّة مستقلّة ومختلفة إلى حدٍ ما عن النظريّة النحويّة. وقد احتوَت كتب الدرس الصرفيّ على أبوابٍ وموضوعاتٍ من صميم الدرس الصرفي، تتعلّقُ بتصريف الأفعال، الاشتقاق، والصيغ ومعاني الزيادة . فقد  بيّنَ علماءُ الصرف القدامى أنّ الصرفَ يتناولُ الكلمة في حال الإفراد، أي من حال كونها خارج التركيب، وذلك بغية معرفة أنفس الكلمة الثانية، وقد قسّموا تلك الأحكام إلى قسمين رئيسين:

-قسم مَن يدرس ما يَطرَأُ على بِنيةِ الكَلِمَةِ مِن تَغييراتٍ لِضُروبٍ مِنَ المَعاني، كأنْ تُغيَّرَ صيغَةُ المَصدَرِ مِثلا إلى الفِعلِ الماضِي أو المُضارِعِ أو الأَمرِ، أو إلى أيِّ صيغَةٍ أُخرى تَتَحمَّلُ دلالَةً جَديدَةً كالمُشتَقَّاتِ بِأنواعِها، وجُموعِ التَّكسيرِ، والمُصغَّرِ، والمَنسوبِ، وهذا النَّوعُ مِنَ التَّغييراتِ حجرَت عادَة النَّحوِيِّينَ بِذِكرِهِ قَبلَ عِلمِ التَّصرِيفِ وإنْ كانَ مِنهُ.

وقِسمٌ يدرسُ ما على البنيَةِ مِنَ التَّغييراتِ التي لا تَكونُ دالَّةً على مَعانٍ جَديدَةٍ كالنَّقصِ، والإبدالِ، والقَلبِ، والنَّقلِ، والإدغامِ. والدَّرسُ الصَّرفيُّ عندَ القُدَماءِ يَدرسُ البنيَةَ بِأنواعِها المُختَلِفَةِ ويَبحَثُ في أَحوالِها، والبُنيَةُ هي الَّتي حَظِيَت بِاهتِمامِ القُدَماءِ، فَوَصَفوا صُوَرَها وهَيئاتِها الَّتي تَتَشَكَّلُ مِنهَا؛ فَعِندَ القُدَماءِ أنّ بنيَةَ الكَلِمَةِ تَتَحَدَّدُ بِعَدَدِ حُروفِها المُرَتَّبَةِ فـ (عَقَلَ) بِنيَةٌ، و(قَلَعَ) بِنيَةٌ أُخرَى. وتَتَحَدَّدُ بِحَرَكاتِها وسُكونِها فـ (عَلِمَ) بنيَةٌ، و(عِلمْ) بنيَةٌ ثانِيَةٌ، و(عُلِمَ) بنيَةٌ ثالِثَةٌ.

وهُناكَ مِنَ القُدَماءِ مَن يَرَى أنَّ الدِّراسَةَ الصَّرفِيَّةَ يَجِبُ أنْ تَختَصَّ بِدِراسَةِ أَحوالِ الكَلِمَةِ الَّتي تَتَأَهَّبُ لِلدُّخولِ في التَّركيبِ، والَّتي تَتَمَثَّلُ في نَقلِ الكَلِمَةِ مِنَ المُفرَدِ إلى المُثنَّى فَالجَمعِ، ومِن حالَةِ التَّنكيرِ إلى التَّعريفِ، ومِنَ التَّذكيرِ إلى التَّأنيثِ. وكَذلِكَ تَتَمَثَّلُ في أَحوالِ الفِعلِ المُختَلِفَةِ مِنْ حَيثُ دَلالَتِهِ على الزَّمَنِ، والهَيئَةِ، والنَّسْبِ، والعَدَدِ، والشَّخصِ.

أمَّا التَّغييراتُ الأُخرَى الَّتي تَطرَأُ على الكَلِمَةِ كالاِشتِقاقِ، والتَّصغيرِ، والنَّسبِ، والتَّجرُّدِ، والزِّيادَةِ، فَإِنَّها تُعَدُّ جُزءًا مِنْ عِلمِ المُعجَمِ. وعِلمُ الصَّرفِ هوَ القَواعِدُ الكُلِّيَّةُ الَّتي يُعرَفُ بِها التَّغيِيرُ الَّذي يَطرَأُ على بُنيَةِ الكَلِمَةِ، وغايَةُ هَذا التَّغيِيرِ، واشتِقاقُ الكَلِمَةِ مِنْ غَيرِها، واشتِقاقُ غَيرِها مِنها، وبَيانُ المُشتَقِّ والمُشتَقِّ مِنهُ.

فَهُوَ عِلمٌ يَبحَثُ في هَيئَةِ الكَلِمَةِ، أو بِنيَتِها، أو صيغَتِها؛ أيْ عَدَدِ حُروفِها، ونَوعِها، وتَرتيبِها، وضَبطِها، بَعيدًا عنْ إعرابِها وبِنائِها، فَإِنَّ الإعرابَ والبِناءَ مِنِ اختِصاصِ عِلمِ النَّحوِ. وعِلمُ الصَّرفِ يَضَعُ المَوازينَ الدَّقيقَةَ لِكُلِّ كَلِمَةٍ، ويَكشِفُ عنْ حُروفِها الأَصلِيَّةِ، وفائِدَةِ هَذِهِ الزِّيادَةِ، ويَرُدُّ الكَلِمَةَ إلى فِعلِها والمَصدَرِ الَّذي اشتُقَّتْ مِنهُ، ويُبَيِّنُ ما دَخَلَ عَلَيها مِنْ إبدالٍ، أو إعلالٍ، أو إدغامٍ، وما اعتَراها مِنْ حَذفٍ لِبَعضِ أُصولِها، وسَبَبِ ذلِكَ الحَذفِ وكيفيّة ردّه، وليان ما يدخلُ على الملمّة من تغييرٍ في معانيها بسبب تضعيفها أو زيادة حروفٍ على حروفها. وعلم الصرف وثيق الصلة بالعلوم كلّها،  فهو شقيقٌ لأنّ كلًّا منهما يبحثُ في الكلمة العربيّة، ويضعُ القواعدَ الّتي تصونُ اللسان عن الخطأ في الكلام؛  إلا أنّ الدرس الصرفيّ عند القدماء يبحثُ عن بنية الكلمة. وهذه بعض النماذج التطبيقيّة:

١- فَيا لَيلُ كَم مِن حاجَةٍ لي مُهِمَّةٍ        إِذا جِئتُكُم بِاللَيلِ لَم أَدرِ ماهِيا؟

مُهِمَّةٍ: مُفعِلة: اسم ثلاثي مزيد فيه حرفٌ واحد، قبل الفاء، صحيح الآخر، مؤنث وهو مشتقّ، على صيغة اسم الفاعل من مصدر “أهمّ، يُهمُّ”. أصله “مهممةٌ.”التقى فيه مثلان متحرّكان هما الميمان وقبلها ساكن، فنقلت حركة الميم الأولى إلى الساكن قبلها وأدغمت في الثانية، وهو إدغامٌ كبيرٌ واجب.

 

بِاللَيلِ: بالفَعْلِ، اسم ثلاثي مجرد صحيح الآخر، مذكر مجازي، وهو اسم جنس جامد يدلّ على ذات، وأصله “الليلُ” التقى فيه مثلان هما اللامان، الأولى ساكنة وأُدغمت في الثانية، وهو إدغامٌ كبيرٌ واجب.

أَدرِ: أفْعِ: فعلٌ مضارع ماضيه (درى) على وزن (فَعَلَ)؛ فهو فعلٌ ثلاثيٌ مجرد ناقص من الباب الثاني، وأصله (أدري) استُثقلت الضمة على الياء فسكَنَت، ولما جُزم حذفت الياء.

 

٢- خَليلَيَّ إِن لا تَبكِيانِيَ أَلتَمِس        خَليلاً إِذا أَنْزَفتُ دَمعي بَكى لِيا

تبكِيا: تفعِلا: فعلٌ مضارع ماضيه “بكى” على وزن “فَعَلَ”، فهو ثلاثي مجرّد ناقص.

أَلتَمِس: أَفتَعِلْ: فعل مضارع ماضيه”التمسَ” على وزن “افتعلَ”، فهو فعلٌ ثلاثيٌ مزيد فيه حرفان بينهما الفاء، والزيادة فيه للاستغناء عن المجرّد، وهو ليس على وزن الرباعيّ صحيح سالم.

أَنزَفتُ: أَفعلْتُ: فعل ثلاثي مزيد فيه حرفٌ واحد قبل الفاء، والزيادة فيه للمبالغة، وهو ملحقٌ به وعلى وزن الرباعي، وغير ملحق به صحيح سالم.

دَمعي: فَعلي: اسم ثلاثي مجرد، وهو اسم جنس جمعيّ، مفرده دمعة، والدمعة اسم جنس جامد يدلّ على ذات، صحيح الآخر، مؤنث مجازي.

 

٣-فَما أُشرِفُ الأَيفاعَ إِلّا صَبابَةً              وَلا أُنشِدُ الأَشعارَ إِلّا تَداوِيا

أُشرِفُ: أُفعِلُ: فعل مضارع: ماضيه “أشرفَ” على وزن “أَفعلَ”، فهو فعلٌ ثلاثيّ مزيد فيه حرفٌ واحدٌ قبل الفاء، والزيادة فيه للمبالغة، وهو على وزن الرباعي وغير ملحق به صحيح سالم، أصله “أؤشرفُ” التقى فيه همزتان، فحذفت ثانيهما للتخفيف.

الأَيفاعَ: الأفعال: اسم ثلاثي مزيد بحرفين، بينهما الفاء والعين، وهو جمعُ تكسير من جموع القلّة مفرده “يفعٌ” و”اليفع” اسم جنس جامد يدلّ على ذات، صحيح الآخر، مذكر مجازي.

صَبابَةً: فعالةً: اسم ثلاثي مزيد فيه حرفٌ واحدٌ، بين العين واللام، صحيح الآخر، مؤنث مجازي، وهو اسم جنس معنويّ جامد، مصدر”صبَّ: يصبُّ”

أُنشِدُ: أُفعِلُ: فعل مضارع، ماضيه أنشدَ، على وزن”أفعلُ”، فهو فعلٌ ثلاثيّ مزيد فيه حرفٌ واحد، قبل الفاء، والزيادة فيه للإغناء عن المجرّد، وهو على وزن الرباعي غير الملحق به، صحيح سالم، أصله”أونشدُ”التقت فيه همزتان فحذفت ثانيتهما للتخفيف.

الأَشعارَ:الأفعالَ: اسم ثلاثي مزيد فيه حرفان بينهما الفاء والعين، وهو جمعُ تكسيرٍ من جموع القلة مفرده “شِعْرٌ”، و”الشّعرُ” اسم جنس جامد يدلّ على ذات، صحيح الآخر، مذكّر مجازي.

تداويا: تفاعلا: اسم ثلاثي مزيد فيه حرفان بينهما الفاء، منقوص مذكّر مجازي، وهو اسم جنس معنويّ جامد، مصدر “تداوى، يتداوى”، أصله “تداويٌ”، وقعت فيه الياءُ متطرّفةً بعد ضمٍّ، فقلبت الضمّة كسرة لتجانس الياء، واستثقلت الضمة على الياء فسكنت، فالتقى ساكنان هما الياء والتنوين، فحذفت الياء لأنّها حرف مدّ فصارَ “تداوٍ”، ولما نصبت ردّت الياء إليه.

 

٤-وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما        يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَن لا تَلاقِيا

يَظُنّانِ: يَفعلان: فعلٌ مضارع، ماضيه “ظنّ” على وزن “فعلَ”، فنوع فعل ثلاثي مجرد صحيح مضعَّف، من الباب الأوّل أصله”يظْنُن”، التقى فيه مثلان متحركان هما النون وقبلها ساكن، فنقلَت حركة النون الأولى إلى الساكنة قبلها، وأدغمت في الثانية. وهو إدغامٌ كبيرٌ واجبٌ.

الظَنِّ: الفَعْلِ، اسم ثلاثي مجرّد صحيح الآخر، مذكر مجازي، وهو اسم جنس معنويّ، جامد مصدر “ظنّ””يظنُّ” أصله “الظنْنُ” التقى فيه مثلان هما النونان، الأولى ساكنة فأُدغمت في الثانية، وهو إدغامٌ صغير واجب. والتقى فيه أيضًا متقاربان هما لام التعريف الساكنة والظاء، فأبدلت اللام ظاء وأدغمت في الظاء الثانية، وهو إدغامٌ صغيرٌ واجب.

تَلاقِيا: تفاعلا: اسم ثلاثيّ مزيد فيه حرفان بينهما الفاء، منقوص مذكّرمجازي، وهو اسم جنس معنويّ جامد مصدر “تلاقى، يتلاقى”. أصله “تلاقى” وقعت فيه الياء متطرفة بعد ضم، فقلبت الضمة كسرة لتجانس الياء، استثقلت الضمة على الياء فسكنت، فالتقى ساكنان هما الياء والتنوين، فحذفت الياء لأنّها حرف مدّ، فصار “تلاقِ”، ولمّا نصب ردت الياء إليه.[14]

“لقد اختارَ الصرفيون القدماء مادة (فعلَ) لتكون ميزانًا صرفيًا، والسببُ في ذلك هو أنّ  مادة (فعلَ ) أشملُ الموادِ وأعمقها. فكلّ حدثٍ يُسمى فعلا، ومادة (فعلَ) هي أشملُ المواد التي يطردُ فيها التغيير ويكثُر إنّما هو الفعل والأسماء المتّصلة بالأسماء المشتّقة، ومخارج الحروف ثلاثة (الحلق واللسان والشفتان) فأخذوا من كلّ حرفٍ مخرجًا (الفاء) من الشفة، و(العين) من الحلق، و(اللام) من اللسان”.[15] ولما كان أكثر الكلمات العربيّة ثلاثيًا، عدّ علماء الصرف أنّ أصولَ الكلمات ثلاثة أحرف، وقابلوها عند الوزن بالفاء والعين واللام  مصوّرةً بصورة الموزون، فيقولون في وزن (قمَر): فعل بالتحريك، وفي حِمْل: فِعل بكسر الفاء وسكون العين، وفي كَرُمَ : فَعُلَ بفتح الفاء، وضمّ العين … ويُسّمون الحرف الأوّل فاء الكلمة، والثاني عين الكلمة، والثالث لام الكلمة، فإذا كانت الكلمة زيادة على ثلاثة أحرف؛ فإن كانت زيادتها ناشئةً من أصل وضع الكلمة على أربعة أحرفٍ أو خمسة، زدتَ في الميزان لامًا أو لامين على الأحرف(فعلَ)، فتقولُ في وزن دحرجَ مثلا(فعللَ)، وفي وزن جَحْمَرِش (فعللِل)، وإن كانت ناشئة من زيادة حرفٍ أو أكثر كرّرتَ ما يُقابله في الميزان، وإن كانت الزيادة ناشئة من زيادة حرفٍ أو أكثر من حروف (سألتمونيها) التي هي حروف الزيادة، قابلتَ الأصول بالأصول، وعبّرْتَ عن الزائد بلفظه، فتقول في لفظ قائم (فاعل)، وفي وزن تقدّمَ (تفعّلَ)، وفي وزن استخرجَ (استفعلَ)، وفي وزن مجتهِد (مُفتعِل) …[16]ويرى المحدثون أنّ الكلمة يجبُ أن توزن على ما هي عليه فعلا لا على ما كانت عليه أصلا بغضّ النظر عن التغيير الذي أصابَها.

 

المبحث الثّاني: مراحل تطوّر الدّرس الصرفي

إنّ اللغويين عندما أرادوا وضع مؤلّفات عن الدرس الصرفي ارتأوا أنّ هناك عدّة أبواب صرفيّة يجب إعادة النظر في ترتيبها وزجّها في  المؤلف الصرفي، مُعتبرين أنّ هناك أبوابًا تُعدّ أقربَ إلى المعجم منها إلى الدرس الصرفي؛ وبالتالي ألبسوها مكانها المناسب مع المصنّفات المعجميّة، فهي أقربُ للدرس الصوتيّ، فمثلاً(أبواب الفعل الثلاثي الستة) يؤكّدُ الصرفيون أنفسهم أنّها خاضعة للسماع وتُستفادُ من المعجم ودراسة اللغة وتطوّر صيغها. وأنّ أبوابًا دعا الصرفيون إلى إلغائها، فقد عدّها البعض من قبيل التمارين العقليّة، فلم يسعوا إلى تضمينها في مؤلّفاتهم. كباب الإخبار بالذي والألف واللام، فقد عدّهُ البعض بأنّه بابٌ وضعه النحويون لامتحان الطالب وتدريبه، كما وضعوا باب التمرين في التصريف لذلك.[17]واعتمدوا في تأليفهم للدروس الصرفية على الأبواب الّتي تهتمُّ بالمفردات العربيّة من حيث البحث عن كيفيّة صياغتها لإفادة المعنى، أو من حيث البحث عن أحوالها العارضة لها من صحةٍ وإعلال، وإذا تتبعنا كتب التراجم والطبقات فيما ذكرت من مؤلفات النحاة في التصريف، ومجالسهم في تناظرٍ بمسائله، نلاحظُ أنّ هذا العلم مرّ في طريق اكتمالِه واستوائِه بعدّة مراحلَ وأطوار، يمكن تلخيصُها في ثلاث:

الأولى: “مرحلةُ اندماجِه مع علم النحو، تُمثّلها مؤلَّفاتُ كبارِ النحاةِ الأوائلِ حتّى منتصف القرنِ الثالث الهجريّ، الذين أدرجوا مباحثَ “الصرف والتصريف” مع مباحث “النحو” دون استقلالٍ لأحدهما عن الآخر، كـ”الكتاب” سيبويه((١٨٠ه) و”المقتضب” المبرّد(٢٨٥ه)؛ أمّا الطابعُ العام لهذه المرحلة هو أنّ الصرفَ كان ينسربُ بين مباحث النحو تأليفًا وتناظرًا ما بين النحويين، ومن ذلك ما بدأ به مجلس سيبويه مع الكسائي وأصحابه بحضرة الرشيد”.[18]

الثانية: “بدءُ تميّزِه وانفصالِه واستقلالِه تدريجيًّا عن النحو، وظهورِه كعلمٍ قائمٍ مستقلّ باسم “علم التصريف”. وذلك بصدور بعضِ المؤلَّفاتِ والمصنَّفاتِ الخاصّةِ به، مثل “كتاب التصريف” لأبي عثمان المازني(٢٤٨ه) و”التكملة” لأبي عليّ الفارسي(٣٧٧ه) “التصريف الملوكي” لأبي الفتح ابن جنّي ٣٩٢ه).

الثالثة: هي مرحلةُ تكوينِ “علم الصرف” ونضوجِه أو اكتماله، ليكون بذلك علمًا مستقلًّا قسيمًا لـ”علم النحو” لا قسمًا منه. ويمثّلها المتأخّرون من النحاة، كعبد القاهر الجرجاني(٤٧١ه) في “كتاب المفتاح في علم الصرف”، وابن عصفور(٦٩٩ه) في “الممتع في التصريف”، وابن الحاجب (٦٤٦ه) في “الشافية”، وغيرهم. يختصُّ علم الصرف بدراسة الفعل المتصرِّف.

الرّابعة: وهي المرحلة التي بلغ فيها الدرس الصرفي أوجه ما بين القرن السادس والسابع الهجري، وفيها اكتملَ صرح التصريف، وبلغَ التأليف ذروته على يد علمائها الذين جاءت مؤلفاتهم غاية في الاستيعاب لجميع أبواب التصريف، فوضعوا أهمّ مصنّفاته وأدّقها وأكملها وأجودها توضيحًا وتهذيبًا ومنهجةً، وكان إمام هذه الفترة ونجمها اللامع ابن القطاع الصقلي (٥١٥ه)؛ الذي أدخلَ الصرف بتأليفه في الأبنية مجالا جديدًا، والذي ظهرَ تأثيره واضحًا في مجالات من جاء بعده، وكتب اللغة كالقاموس وشرح القاموس ولسان العرب”.[19]وجاءَت مُعظَمُ مُؤلَّفاتِ هذهِ المرحلةِ مُصنَّفَةً في التَّصرِيفِ جُملَةً لا في بَعضِ مَسائِلِهِ، وقد ألَّفَ المُحدَثونَ كُتُبًا كَثيرةً في الدَّرسِ الصَّرفيِّ بهَدفِ الإيجازِ والتَّيسيرِ. فكانوا ما بينَ مائلٍ إلى الاختِصارِ، ومائلٍ إلى التَّيسيرِ والتَّسهيلِ معَ ما يَتطلَّبُهُ ذلكَ مِن مُرونَةٍ في اللُّغةِ واللِّحاقِ بالرَّكبِ الحَديثِ، فجاءَت مُعظَمُ مُؤلَّفاتِ الدَّرسِ الصَّرفيِّ مُيَسَّرَةً ومُسَهَّلَةً، فالقارئُ يَعودُ لها بكُلِّ بَساطَةٍ ويُسرٍ، ومَن أرادَ الفَهمَ والتَّوسُّعَ يَعودُ إلى بُطونِ أُمَّهاتِ الكُتُبِ. وبِناءً على ذلكَ نَستَطيعُ أن نَعرِفَ بأنَّ الدَّرسَ الصَّرفيَّ قد تَطوَّرَ مُنذُ القِدَمِ معَ عِلمِ النَّحوِ، ثمَّ انفَصَلَ عنهُ، ثمَّ لَجَأَ العُلماءُ المُحدَثونَ إلى البَحثِ عن أَساليبَ ومَناهِجَ جَديدةٍ مُيَسَّرَةٍ، فأتَتِ المُؤلَّفاتُ بِدِقَّةٍ أَكبَرَ ومَنهَجيَّةٍ أَحدَثَ.

 

المبحث الثّالث: الدرس الصرفي عند المحدثين

إذا كان علماء الصرف القدامى قد عرّفوا علم الصرف بأنّه العلم بأصولٍ يُعرفُ بها بنية أحوال الكلمة التي ليست بإعراب أو بناء، والمقصود “بأحوال” هو التغيّرات التي تطرأُ على الكلمة، فإنّ هذا المفهوم للصرف يرتبطُ إلى حدّ كبير بمفهوم المورفولوجيا morphology عند علماء اللغة من حيث دراسة ما يطرأُ من زيادات، وكذلك التحوّلات التي تغيّر دلالتها أو وظيفتها نتيجةً لدخول عناصر لغويّة معيّنة، غير أنّ الاختلاف بينهما يكمُن في أنّ الدرس الصرفيّ  كما وضعه علماء العربيّة يختصّ بتحليل النظام الصرفيّ للغة العربيّة وحدها، أو اللغات التي تشبهها مثل بعض اللغات الساميّة.

أمّا المورفولوجيا فهو أعمّ من ذلك؛ إذ يتّصل بتحليل النظام الصرفي في أيّ لغة، وقد يقتربُ كلٌ منهما في منهج التحليل أحيانًا وإن اختلفَت المصطلحات.

والمصطلح الأساسيّ في المورفولوجيا الذي يتّصلُ بصيغة الكلمة ووظيفتها هو المورفيم morpheme، حيث يحاولُ عالم اللغة أن يقسمَ الكلمة أو الجملة إلى العناصر المكوّنة لها ثمّ تضيف هذه العناصر؛ والمرحلة الأولى في هذا التقسيم تكونُ على المستوى الصوتي والفونولوجي، أي تحليل النظام الصوتي الفونولوجي للغة، حيث يحدّد عالم اللغة الفونيمات وأنواعها ووظائفها، وكذا الملامح غير البنيويّة، مثل النبر، التنغيم، المقاطع… والمرحلة الثانية يسعى فيها إلى التعرّف على المباني أو الوحدات الأكثر تعقيدًا، وهو ما يُطلقُ عليه علماء اللغة المورفولوجيا، والوحدة الأساسيّة في تحليل النظام المورفولوجي هي المورفيم، وهناك تعريفاتٌ كثيرةٌ للمورفيم قد تختلفُ باختلاف المدارس اللغويّة والحديثة المعاصرة، غير أنّها تتفّقُ جميعًا في النظر إلى المورفيم على أنّه أصغر وحدةٍ لغويّةٍ تحملُ معنًى أو وظيفةً نحويّةً، وقد وصلَ علماء اللغة إلى هذا التحديد للمورفيم من خلال بحثهم عن مفهوم الكلمة؛ لأنّهم نظروا إلى الكلمة في صورٍ مختلفةٍ على أساس أنّ لها وظيفةً صرفيّةً محدّدة هي تحويل الماضي إلى المضارع. واسم الفاعل “ذاهب” يهتمّ به المحدثون من حيث النظر بالألف التي هي الأساسُ في إنتاج صيغة “فاعل” الدالة على اسم الفاعل نفسه.

في الدرس الصرفي morphology هو الحقل اللغويّ الذي يدرس بنية الكلمة، وتعريفات المحدثين تعريفاتٌ متقاربةٌ تكادُ تجمعُ على أن بنية الكلمة هي موضوع هذا العلم، فعرّفَ بأنّه دراسة المصرفات وأنواعها Arrangements في بناء الكلمات.[20]

وعرّفَ بأنّه دراسة البنية القواعديّة للكلمات.[21] كما عرّفه بعض اللغويين بأنّه دراسةُ الوحدات الصغرى الحاملة للمعنى، والقواعد Rules التي تحكمها؛ أي دراسة بنية الكلمة.[22] وأهمّ أمثلتها الكلمات وأجزاؤها ذات المعاني الصرفيّة كالسوابق واللواحق.

يعمدُ الدرس الصرفي عند المحدثين إلى دراسة الوحدات التي تمثّلُ أساس التحليل المورفولوجي للصيغ الصرفيّة للكلمات، ولا تتطرّقُ إلى مسائل التركيب النحويّ لذاتها؛ بل عندما تتطلّبُ دراسة الصيغ النظر فيها في حال تركّبها، المورفولوجيا تتناولُ الكلمات في قوائم أو أنماط صرفيّة تختلفُ باختلاف اللغات، ففي الإنجليزيّة مثلًا كلمة book “كتاب” تندرجُ في قائمة الاسم، في حال تصنيف كلمة (write) يكتبُ تحت قائمة الفعل، و(happy) سعيد تحت قائمة الصفة، وبذلك يكون التصريف بهذا المعنى مختلفًا عن القدماء، يتناولُ نوعين من التغييرات التي تعتري أبنية الكلام، يترتّبُ على الأوّل منهما تغيير يطال اللفظ والمعنى، وعلى الثاني مجرد التغيير اللفظي كالإعلال في (قوَلَ) و(بَيَعَ) إلى (قال) و(باع). وهو تغييرٌ لا يترتّبُ عليه أيّ اختلافٍ في المعنى؛ وإنّما هو قائمٌ على قضيّة “الأصل الافتراضيّ” القائمة على فكرة الأصل المتخيّل لبنية الكلام؛ الأمر الذي جعلَ الكثير من مسائل الأصوات تُدرس عندهم.

أمّا علماء اللغة المحدثون، وبناءً على مستويّات التحليل اللغوي الحديث، فقد أخرجوا هذا التغيير اللفظي من التصريف وأدرجوه في علم الأصوات، باعتباره تغييرًا لا يؤدي إلى وظيفة جديدة غير الدلالة التي كانت للصيغة قبل حصول التغيير فيها.

“إنّ تحليلُ الدرسِ الصرفيِّ عندَ المُحدَثينَ هو ثاني المستوياتِ بعدَ مستوى الأصواتِ، مستوى الصرفِ، مستوى النحوِ، مستوى الدلالةِ؛ فلا غَرابةَ في وجودِ نِقاطِ التقاءٍ له مع النظامِ الصوتيِّ السابِقِ له من جهةٍ، ومع النظامِ النحويِّ التالي له من جهةٍ أُخرى، فهو حَلْقةٌ وُسطى بينَ النظامَيْنِ الصوتيِّ والتركيبيِّ في تحليلِ اللُّغةِ، فأصواتُ اللُّغةِ مَثَلا تتأثَّرُ كثيرًا بالصِّيغِ، والعكسُ صحيحٌ، والصوتُ والصِّيغةُ كِلاهما يتأثَّرانِ غالبًا بالمعنى. كذلكَ يوجدُ تبادلٌ مُطَّرِدٌ بينَ الصرفِ والنحوِ، كما الحالِ في بعضِ اللُّغاتِ حينَ تستعملُ واحدًا منها وتستغني عن الآخرِ، لذا فإنَّ الصرفَ والنحوَ كثيرًا ما يجمعانِ تحتَ اسمٍ واحدٍ هو التركيب القواعديّ”.[23] “فالنظام الصوتيُّ بشقَّيْهِ النُّطقيِّ والوظيفيِّ يُقدِّمُ للنظامِ الصرفيِّ البَينةَ المُشتملةَ على أصواتٍ لتكونَ مجالَ البحثِ والتحليلِ فيه، يَتَعامَلُ معها من حيثُ تكوينِ عناصرِها الأوَّليَّةِ، ومَدَى التفاعُلِ بينَ هذهِ العناصرِ.

إنَّ الدرسَ الصرفيَّ عندَ المُحدَثينَ يقومُ على البحثِ في أقسامِ الكَلِمِ للُّغةِ، وتحديدِ الفصائلِ النَّحويَّةِ لأيِّ لُغةٍ وتصنيفِها، ودورِ السَّوابقِ واللَّواحقِ والتَّغيُّراتِ الدَّاخليَّةِ التي تُؤدِّي إلى تغييرِ المعنى الأساسيِّ للكلمةِ مثلَ (كَتَبَ ويَكتُبُ وكاتِبٍ). إنَّ تصنيفَ الفصائلِ النَّحويَّةِ عَمَلٌ من أعمالِ الصرفِ العامِّ الذي لا يزالُ حتى الآنَ يَنشُدُ مَن يقومُ بعملِهِ، وإنَّ على لُغويِّي المُستَقبلِ واجبًا هو أن يُقارِنوا بينَ الفصائلِ النَّحويَّةِ الخاصَّةِ بلُغاتٍ مُختَلِفَةٍ، وأن يُحَدِّدوا الخَصائِصَ والسِّماتِ العالميَّةَ أو على الأقلِّ تلكَ المُنتَشِرَةِ انتشارًا واسعًا”[24]، “وهذه الفصائلُ النَّحويَّةُ تُعبِّرُ عن معانٍ نَحويَّةٍ كالجنسِ (مُذكَّرٍ، مُؤنَّثٍ، مُحايدٍ)، والعَدَدِ (مُفرَدٍ، مُثنَّى، جَمعٍ)، والشَّخصِ (مُتكلِّمٍ، مُخاطَبٍ، غائِبٍ)، وزَمَنِ الفِعلِ (ماضٍ، حاضِرٍ، مُستَقبَلٍ)، وهي مُتعدِّدَةٌ ومُتنوِّعَةٌ عددًا ونوعًا باختلافِ اللُّغاتِ، شيءٌ نِسبيٌّ طبعًا بالنِّسبةِ إلى اللُّغةِ التي تَتَّصِلُ بها، ووفقًا لفَترةٍ ما من تاريخِ هذهِ اللُّغةِ، إذ يَنتهي بعضُ عناصِرِها في عَصرٍ ما ويَظهَرُ غيرُهُ.

إنَّ الدَّرسَ الصرفيَّ عندَ المُحدَثينَ ينبغي أن يكونَ مِن واقِعِ اللُّغةِ نَفسِها، مُهمِلَةً التَّقسيمَ التَّقليديَّ لأقسامِ الكَلامِ واعتِبارِها (عالميَّاتٍ لُغويَّةً)؛ فعلى الباحِثِ أن يُدرِكَ أنَّ لكلّ لغةٍ أقسامَها الخاصّة بها”.[25]

إذًا من الملاحظ أنّ الدرس الصرفي عند المحدثين قد تطوّر وتغيّر متأثّرًا بنظريّة المورفيم الغربيّة، حيث تجاوزَ البحث لديهم مسألة النظر في البنية والتغيير الذي يقعُ عليها من إعلالٍ وإبدال واشتقاقاتٍ مختلفة، إلى البحث مباشرةً في العلامات واللواصق الداخلة على الكلمة، والمسؤولة عن تغيير الأبنيّة واعتبارها مادة هذا العلم. والناظرُ في الدرس الصرفي  العربي الحديث الذي تبنّاه المحدثون يُلاحظُ اختلافًا واضحًا في تناول القضايا الصرفية عنه لدى النحاة القدامى؛ ليس في منهج أو طريقة تبويب هذه الكلمات فحسب، وإنّما في مادة البحث نفسها. إذ تحوّلَ الدرس من البحث في الكلمات وصيغها وتصريفاتها واشتقاقاتها، إلى البحث في اللواصق التي تؤدي دور هذا التنوّع في الصيغ والتصريف والاشتقاق؛ بل وأصبحَ تقسيم الكلم الذي أُلِف في مطالع كتب النحو قسمًا أساسيًا في البحث الصرفيّ الحديث.

لقد اتّخذَ تحليل الأدوات منحًى خاصًا في الدرس الصّرفيّ الحديث؛ إذ جعلَت الأدوات من طائفة المورفيمات المقيّدة؛ أي المورفيمات التي لا تؤدي معنًى كاملا في نفسها، أي وهي مستقلّة؛ ولكن لا بدّ أن ترتبطَ بكلمةٍ أخرى سواءٌ أكانت اسمًا أو فعلا، وسواءٌ في أوّل الكلمة أو آخرها.

أما المورفيمات الحرّة فهي الكلمات ذاتها، أي الأسماء والأفعال التي هي ميدان علم الصرف ومجالاته كما حددّها القدماء في كتب الصرف التعلميّة. ومن أمثلة ذلك النماذج الآتيّة:

١-فقَدْ يَنْبُتُ المَرْعى على دِمَنِ الثَّرى        وتبْقى حَزازاتُ النُّفوسِ كما هِيا

فقد: الفاء إستئنافيّة، و قد: حرفٌ يُفيد التقليل.

المرعى: ال: جنسية.    على: للاستعلاء الحقيقيّ.

الثرى: ال: جنسية.      وتبقى: الواو عاطفة لمطلق الجمع.

النفوسِ: مورفيم ال الجنسية.     كما: الكاف مورفيم اسميّة للتشبيه.

ما: اسميّة موصوليّة للعاقل.

 

٢-فيا راكِبًا إمّا عَرَضْتَ فبلِّغَنْ            كِلابًا وحيًّا من عُقيلٍ،مَقالِيا

فيا: الفاء استئنافية.          يا: مورفيم لنداء البعيد

إمّا: إن: مورفيم شرط للمستقبل.      و ما: زائدة للتوكيد

فبلّغن:الفاء مورفيم  رابطة للجواب، والنون: مورفيم للتوكيد

وحيًا: الواو: مورفيم عاطف لمطلق الجمع

من: مورفيم للتبعيض.

 

٣– لعَمري لقدْ أبقَت وقيعةُ راهطٍ        لمروانَ صدْعًا بيننا متنائيا

لعمري: اللام مورفيم للتوكيد .

لقد: لام الجواب: مورفيم للتوكيد

قد: مورفيم للتحقيق

لمروان: اللام: مورفيم للتعليل.

 

٤-ولم تُرَ منّي نبوةٌ غيرَ هذه          فَراري وترْكي صاحبَيَّ ورائِيا

ولم: الواو: مورفيم للاستئناف.     لم: مورفيم نفي وقلب

منّي: من: مورفيم لابتداء الغاية، والنون مورفيم للوقاية.

غير: مورفيم استثناء

هذه: الهاء مورفيم للتنبيه

وتركي: الواو: مورفيم عطف لمطلق الجمع.

 

٥-عشيّةَ أجرى بالصعيدِ ولا أرى     من القومِ إلّا من عليَّ وما ليا

بالصعيدِ: الباء: ظرف مكان، وال:  مورفيم للجنس

ولا: الواو: مورفيم حال.  لا: مورفيم نفي الحال

من: مورفيم للتبعيض

القوم: مورفيم للعهديّة الذهنيّة

إلّا: مورفيم للاستئناف

من: مورفيم اسميّة موصوليّة للعاقل

على: مورفيم للاستعلاء المعنويّ.

وما: الواو: مورفيم لمطلق الجمع    ما: مورفيم للنفي والحال

ليا: اللام: مورفيم للاختصاص.[26]

لم يحظَ المورفيمُ بالموافقةِ أو القبولِ لدى جميعِ اللغويينَ؛ بل تعرَّضَ للنقدِ نظرًا للصعوباتِ التي تبرزُ في تطبيقهِ، إذ ليستْ كلُّ النماذجِ اللغويّةِ العامّةِ لدى اللغويينَ تنسجمُ دائمًا معهُ. ورغمَ بروزِ بعضِ الصعوباتِ في تطبيقهِ على الأنواعِ المختلفةِ لبعضِ اللغاتِ، لا يزالُ أداةً صالحةً يمكنُ الاستفادةُ منها في تحليلِ الدرسِ الصرفيِّ، فلهُ أهميّةٌ كبرى وقيمةٌ كوسيلةٍ يُعتمدُ عليها في التعبيرِ عن العلاقاتِ بينَ الأفكارِ التي يتكوَّنُ منها المعنى العامُّ للجملةِ، وتُساعدُ على تمييزِ الفصائلِ الصرفيّةِ، فالنوعُ والعددُ والشخصُ والزمنُ والحالةُ الفعليّةُ والتبعيّةُ والغايةُ والآلةُ… كلُّها فصائلُ نحويّةٍ في اللغاتِ تُسمَّى دوالَّ النسبةِ، يعني المورفيماتُ للتعبيرِ عنها.

 

الخاتمة: لقد اعتمدَت دراسةُ الصرفِ عندَ القدامى على الصيغِ والميزانِ الصرفيِّ، لأنَّ هناكَ أبنيَّةً عروضيَّةً وموازينَ عروضيَّةً، فقد اعتمدَ القدماءُ اعتمادًا كبيرًا على الصيغِ في تحليلِ الدرسِ الصرفيِّ وظواهرِهِ، والمطَّلعُ على دراساتِهم الصرفيةِ يُلاحظُ استنادَهم إلى الحركاتِ كمميِّزاتٍ صرفيَّةٍ، مُبتَعدينَ عمَّا يُحيطُ الأبنيَّةَ من السياقِ وعناصرِهِ.

ومن الواضحِ أنَّ الدراساتِ الصرفيَّةَ قد انحصرَتْ منذُ بدءِ التأليفِ في الجانبِ التعليميِّ فحسبِ، وجاءَ الدرسُ اللغويُّ الحديثُ، وكانَ من تقسيماتِهِ مباحثُ اللغةِ إلى مستوياتٍ، فقد اعتمدَ الدرسُ الصرفيُّ عندَ المحدثينَ على فرعِ الفونولوجيا، واستعانتْ الدراساتُ الصرفيةُ الحديثةُ بنوعِ التقسيمِ إلى مقاطعَ بعدَ أن كانَ مقتصرًا عندَ القدامى على الميزانِ الصرفيِّ، كما أنَّهم استعملوا عناصرَ لغويَّةً أخرى في التمييزِ، عناصرَ السياقِ اللغويِّ إضافةً إلى الوحداتِ اللغويَّةِ كالفونيمِ والمورفيمِ. وقد تطوَّرَ ومرَّ بمراحلَ مختلفةٍ تواكبُ حاجاتِ العصرِ.

إذًا يُعدُّ الدرسُ الصرفيُّ عندَ المحدثينَ بالسياقِ، أي التغييراتِ عن طريقِ الصياغةِ، أي السوابقِ واللواحقِ، والتغييراتِ الداخليَّةِ التي تؤدي إلى تغيُّرِ المعنى الأساسيِّ، وعُرفت الوحدةُ الصرفيةُ بأنَّها أصغرُ وحدةٍ ذاتِ معنى، ومنها المورفيمُ الحرُّ المتصلُ والمقيَّدُ، أما عندَ المتقدمينَ فهو تغييرُ بنيةِ الكلمةِ بحسبِ ما يُعرضُ لها. ولا يتعلّقُ التصريفُ إلا بالأسماءِ المتمكنةِ والأفعالِ المتصرِّفةِ التي لها أصالةٌ. إذ فُهِمَ علمُ الصرفِ عندَ المحدثينَ بأنّه علمُ الصياغةِ؛ وذلك بعدَ أن تدرَّجَ به البُعدُ التعليميُّ.

وبعدُ، فإنَّ الدرسَ الصرفيَّ كانَ قائمًا على منهجٍ معيَّنٍ اقتضى أن يكونَ بالصورةِ التي ظهرَ عليها، ولا يُمكنُ الاستغناءُ عن الرجوعِ إليه لأنَّه من الموروثاتِ الغنيَّةِ.

 

المصادر والمراجع

  • ابن جني، أبو الفتح عثمان. (1954). المنصف. القاهرة: إدارة إحياء التراث القديم.
  • ابن عصفور. (1973). الممتع في التصريف. حلب: دار النمير.
  • بشر، كمال. (2005). التفكير اللغوي القديم والجديد. القاهرة: دار الثقافة العربية.
  • الجرجاني، عبد القاهر. (1987). المفتاح في الصرف. بيروت: مؤسسة الرسالة.
  • الحملاوي، أحمد. (1998). شذا العرف في فنّ الصرف. الرياض: دار البيان للطباعة والنشر والتوزيع.
  • الدّفاع، محمد خليفة. (1991). دور الصرف في منهجي النحو والمعجم. بنغازي: منشورات جامعة قاريونس.
  • الرّاجحي، عبده. (1986). النحو العربي والدرس الحديث: بحث في المنهج. بيروت: دار النهضة العربية.
  • الرّمالي، ممدوح. (2004). تطور التأليف في الدرس الصرفي: المصطلحات والمفاهيم والمعايير. القاهرة: نشر خاص بالمؤلف.
  • الرّمالي، ممدوح. (2000). تطوّر التأليف في الدرس الصرفي. منتدى سور الأزبكية.
  • زرند كرم محمد. (2007). أسس الدرس الصرفي في العربية. دمشق: دار الفكر.
  • الاستراباذي، الرضي. (2005). شرح الشافية لابن الحاجب. بيروت: دار الكتب العلمية.
  • السّعران، محمود. (1997). علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي. القاهرة: دار الفكر العربي.
  • عبد الله، أحمد محمد عبد الدايم. (1980). ابن القطاع وأثره في الدراسات الصرفية. رسالة دكتوراه، كلية العلوم.
  • عبد العزيز، محمد حسن. (1983). مدخل إلى علم اللغة. القاهرة: دار الفكر العربي.
  • عضيمة، محمد عبد الخالق. (1962). المغني في تصريف الأفعال. القاهرة: دار الحديث.
  • هنداوي، حسن. (1989). مناهج الصرفيين ومذاهبهم في القرنين الثالث والرابع من الهجرة. دمشق: دار الفكر.

 

 

[1] طَالِبَةُ دُكْتُورَاه فِي الجَامِعَةِ اليَسُوعِيَّةِ -بيروت- (اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَآدَابِهَا).مُعَلِّمَةُ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ مَنهَجِ البَكالُورْيَا الدَّولِيَّةِ وَالمَنهَجِ اللُّبْنَانِيّ-المدرسة اللبنانيّة -قطر.

[2] الجرجاني، عبد القاهر. (١٩٨٧). المفتاح في الصرف (الطبعة الأولى). بيروت: مؤسسة الرسالة، ص ٢٦.

[3] ابن جني، أبو الفتح عثمان. (١٩٥٤). المنصف (الطبعة الأولى، الجزء 1، القاهرة: إدارة إحياء التراث القديم. ص١-٢.

[4] الدناع، محمد خليفة. (١٩٩١). دور الصرف في منهجي النحو والمعجم . بنغازي: منشورات جامعة قاريونس. ص٢٧.

[5] العسكري، عبود. (٢٠٠٢). منهجيّة البحث العلميّ في العلوم الإنسانيّة (ط. 1). دمشق: دار النمير.ص ٦.

[6] زرندح، كرم محمد. (٢٠٠٧). أُسس الدرس الصرفيّ في العربيّة (ط.٤). دمشق: دار الفكر. ص١٨.

[7] ابن عصفور. (١٩٧٣). الممتع في التصريف (ط. ٢). حلب، سوريا: دار النمير. ج١، ص٣٠.

[8] بشر، كمال. (٢٠٠٥). التفكير اللغويّ القديم والجديد. القاهرة: دار الثقافة العربية. ص ٢٣٨.

[9] الحملاوي، أحمد. (١٩٩٨). شذا العرف في فنّ الصرف. الرياض: دار البيان للطباعة والنشر والتوزيع، ص ٢٧.

[10] المصدر نفسه.

[11] الاستراباذي، الرضي. (٢٠٠٥). شرح الشافية لابن الحاجب . بيروت: دار الكتب العلميّة. ج١، ص٦.

[12] عضيمة، محمد عبدالخالق. (١٩٦٢). المغني في تصريف الأفعال (ط. ٣). القاهرة: دار الحديث. ص١٢.

[13] هنداوي، حسن. (١٩٨٩). مناهج الصرفيين ومذاهبهم في القرنين الثالث والرابع من الهجرة . دمشق: دار الفكر. ص٥٩.

[14] الرمالي، ممدوح. (٢٠٠٠). تطوّر التأليف في الدرس الصرفي. منتدى سور الأزبكيّة. ص٤٠.

[15] الجرجاني، عبدالقاهر. (١٩٨٧). المفتاح في الصرف (ط. 1). بيروت: مؤسسة الرسالة. ص٢٧.

[16] الحملاوي، أحمد. (١٩٩٨). شذا العرف في فنّ الصرف. ص١٤.

[17]ابن عقيل النحوي. (١٩٩٥). شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك . بيروت: دار الفكر. ج١، ص٣٩٩.

[18] الزجاجي. (١٩٩٩). مجالس العلماء. القاهرة: مكتبة الخانجي. ص٧.

[19] عبدالله، أحمد محمد عبدالدايم. (١٩٨٠). ابن القطاع وأثره في الدراسات الصرفية مع تحقيق كتاب أبنية الأسماء والأفعال والمصادر. رسالة دكتوراه، كلية العلوم. ص٨٧.

 

[20]Nida, E. A. (1962). Morphology (2nd ed., p. 1). The University of Michigan Press

[21] Robins, R. H. (Year). General linguistics (p. 181). [Publisher]

[22]Crane, L. B., Yeager, E., & Whitman, R. L. (1981). An introduction to linguistics (p. 96). Little, Brown.

[23] عبد العزيز، محمد حسن. (١٩٨٣). مدخل إلى علم اللغة. القاهرة: دار الفكر العربيّ. ص٢٠٥.

 

[24] السعران، محمود. (١٩٩٧). علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي (الطبعة ٢). القاهرة: دار الفكر العربيّ. ص١٩٠.

 

[25]الراجحي، عبده. (١٩٨٦). النحو العربي والدرس الحديث: بحث في المنهج. بيروت: دار النهضة العربية. ص٣٦.

[26] الرمالي، ممدوح. (٢٠٠٤). تطور التأليف في الدرس الصرفي: المصطلحات والمفاهيم والمعايير. القاهرة: نشر خاصّ بالمؤلف. ص١٤١.

 

عدد الزوار:558

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى