العدالة والمساواة بين الجنسين وفق التّشريعات الوضعية والدّينيّة
العدالة والمساواة بين الجنسين وفق التّشريعات الوضعية والدّينيّة
(نماذج وتطبيقات مختارة)
Justice and Gender Equality in Secular and Religious Legislations (Selected Models and Applications)
الشيخ الدكتور علي طالب[1]
By Sheikh Dr. Ali Taleb
تاريخ الاستلام 17/5/2024 تاريخ القبول 4/6/2024
الملخص
يتمحور موضوع هذا البحث بشكل مختصر حول معايير العدالة والمساواة بين الرّجل والمرأة من الجهتين القانونيّة والشّرعيّة، وقد اخترنا بعض النّماذج من قبيل: المساواة القانونيّة في الحقوق المدنيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة، والعدالة الشّرعيّة في الإرث والشّهادات والدّيات، إضافة إلى الرأي الشّرعيّ المرتبط بالزّواج المبكر والمهر وتعدد الزّوجات، موضحين الأسباب والمسوّغات لهذه التّشريعات في الإسلام.
وقد عقدنا مقارنات أوضحنا خلالها نقاط الاتفاق والافتراق بين القانون والشّريعة فيما يتعلق بهذه النماذج المختارة.
Abstract
This study briefly revolves around the standards of justice and equality between men and women from both legal and religious perspectives. We have chosen some models such as: legal equality in civil, political, and social rights, and religious justice in inheritance, testimonies, and blood money. Additionally, we discuss the religious point of view related to early marriage, dowry, and polygamy, explaining the reasons and justifications for these legislations in Islam.
We have made comparisons that highlight the points of agreement and differences between secular law and Sharia regarding these selected models.
مقدّمة
لا شك أن الموضوعات التي ترتبط بالعدالة والمساواة بين الرّجل والمرأة عمومًا، أو بين الزّوجين بشكل خاص، إنّما تمسّ صميم حياة كل فرد في المجتمع، كون العائلة هي محور حركة كل إنسان، كما أنّ قضية الحقوق والواجبات الزّوجيّة تلاحق مؤسّسة الأسرة بكل مقوّماتها فتشكّل عصب حياتها وأصل ديمومتها، ذلك أنّ الإخلال بها إنّما ينعكس على أداء كل من الرّجل والمرأة ودورهما في مجمل الشّؤون الحياتيّة المختلفة.
تجدر الإشارة إلى أنّ قضية العدالة والمساواة لا تزال ضمن دائرة الاهتمام الفكريّ العام، لا سيما في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة، وهي مثار للكثير من التّساؤلات حول دور الشّريعة الإسلاميّة فيها، خاصة بعد التسليم بالتقدّم الكبير الذي تحقق قانونًا على يد المنظمات الدّوليّة.
من هنا يمكن القول إنّ الاشكالية المطروحة في هذا البحث إنما تدور حول المقارنة بين القانون الدّوليّ والشّريعة الإسلاميّة في مجال الأسرة وتطبيقاتها، وتحديد نقاط الاتفاق والافتراق بين الحقوق الوضعية والدّينيّة، وذلك من خلال إبراز نماذج ذات طبيعة تطبيقيّة، مع تفسير أسباب الاختلاف وشرح المسوّغات المنطقيّة للأحكام الشّرعيّة المتعارضة مع القانون.
لذلك سنستعرض في هذه المقالة العناوين التالية:
- نماذج من المساواة بين الجنسين في القانون (المساواة في: الحقوق العامة، الإرث، تقسيم الممتلكات).
- نماذج من العدالة بين الجنسين في الشّريعة (العدالة الشّرعيّة في: الحقوق العامة، الإرث، الشهادات والديات).
- نماذج من العدالة الزّوجيّة في الإسلام ( العدالة الشّرعيّة في: سنّ الزّواج، المهر المقدّم والمؤخر، تعدد الزّوجات).
وقد اعتمدنا في مقاربتنا منهج الوصف والتّحليل، وأتبعنا ذلك بالمنهج المقارّن بهدف إظهار الميزات والفوارق بين المبادئ الحقوقية والدّينيّة، وبيان التّشريعات المنطقيّة التي تنسجم مع العقل والفطرة السليمة، والكشف عن مواضع الخلل في حال وجودها، وفيما يلي التّفصيل:
أولًا: نماذج من المساواة بين الجنسين في القانون
يتعامل القانون مع كل من الرّجل والمرأة وفقًا لمبدأ المساواة، إذ لكل منهما شخصيته المدنيّة المستقلة، ولا ولاية لأحدهما على الآخر بعد سن الرّشد، سواءً كانا زوجين أو أخوين أو أب وابنته، أو غير ذلك، وتاليًا يستطيع كل منهما الإدعاء على الآخر ومقاضاته، لا سيما في النّزاعات المالية، وحين تجاوز الحقوق والواجبات، وعند مطلق الجرائم والجنايات، كون كلًا منهما يتمتع بحقوقه المدنيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة التامة التي لا يشاركه فيها غيره.
وبناءً عليه، سنتطرق في هذه المقالة أولًا إلى الحقوق المدنيّة التي تتساوى فيها المرأة مع الرّجل، ثم ندخل ثانيًا إلى قضية المساواة بين الجنسين في الإرث، وأخيرًا نتطرَّق إلى المساواة بين الزّوجين في تقسيم الممتلكات عند حصول الطّلاق، وذلك وفقًا لما يسير عليه القانون والقضاء المدنيّ، لا سيما في لبنان.
وقد اختيرت هذه العناوين الثلاثة كونها تدخل في صميم بحثنا حول المساواة، ولأنّها محل خلاف ونقد وردّ بين القوانين المدنيّة والتّشريعات الدّينيّة، الأمر الذي يسمح لنا بإجراء مقارنات واستخلاص نتائج.
أ- المساواة في الحقوق العامة
طُرحت قضية حقوق المرأة بشكل جدّي في مطلع القرن العشرين نتيجة توسّع الثّورة الصناعية في أوروبا، وحاجة المصانع إلى العمالة بعد فقدان ما يزيد عن خمسة ملايين رجل في الحرب العالميّة الأولى، فدخلت المرأة إلى حقل العمل لإعالة أسرتها، فاستغلت المصانع حاجتها وأعطتها أجرًا أقل بكثير من أجر الرّجل رغم تساويهما في كمية الإنتاج.
أمام هذا التّمييز في الأجر أعربت المرأة العاملة عن استيائها، فبدأت بالإضراب عن العمل، وتظاهرت مع رفيقاتٍ لها، وسرعان ما ازدادت حدّة الاعتراضات واتسع نطاقها حتى بات لها قضية عرفت بعنوان “حقوق المرأة” [2].
وفي هذا الإطار تقول الدكتورة فتنت مسيكة: “فالقضية إذًا في بدء المسيرة لم تكن قضية مساواة بين الرّجل والمرأة في الحقوق الإنسانيّة بقدر ما كانت قضية استياء وكفاح من أجل الوصول إلى تعادل الأجر الواحد للعمل الواحد بين الرّجل والمرأة” [3].
على إثر الضّغوط المتتالية بدأت المرأة العاملة تنتزع حقوقها شيئًا فشيئًا، فراحت الدّول الأوروبيّة والولايات المتحدة الأميركية تتنافسان في ادعاء الأسبقيّة بإعطاء المرأة حقوقها، وبتقرير قاعدة المساواة مع الرّجل، الى أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الانسان في العام 1948 وثبَّت حقوق المرأة، وأعلن أنّ “لكل إنسان حقّ التّمتع بجميع الحقوق والحريّات الواردة في الإعلان دون أي تمييز بما فيه التّمييز القائم على أساس الجنس” [4].
يقول مرتضى مطهري: “إذن يتضح أنّ المرأة الأوروبية يجب أن تشكر الآلة وليس الإنسان، ويجب أن تنحني تعظيمًا أمام العجلات العظيمة للآلة لا أمام قامات أوروبا…” [5].
وكان من أبرز ما أكّد عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان، ومجموعة واسعة من الاتفاقيات العالمية[6] فيما يرتبط بحقوق المرأة وعدم التمييز بينها وبين الرّجل، ما يلي:
1- الحقوق المدنيّة، وتشمل حق المرأة في:
– المساواة مع الرّجل أمام القانون.
– الحماية القانونيّة الفعّالة عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص.
– الاحتفاظ بجنسيتها أو تغييرها بالزّواج، وإكساب جنسيتها لأولادها.
– اختيار الزّوج والتمتع بالحقوق الزّوجيّة، والاشتراك في الولاية على أولادها.
– الاحتفاظ بشهرتها بعد الزّواج.
2- الحقوق السّياسيّة، وتشمل حقّ المرأة:
– بالاقتراع والترشيح في الانتخابات العامة.
– بتقلّد المناصب العامة والمشاركة في الجمعيات غير الحكوميّة.
– بممارسة جميع أنواع الوظائف العامة.
3- الحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وتشمل حق المرأة:
– بالعمل والتّمتع بذات فرص التّوظيف مع الرّجل.
– بالمساواة مع الرّجل في المعاملة وفي الراتب والتّقديمات الماديّة الأخرى.
– بالتصرّف بأموالها وإبرام العقود والقروض البنكيّة وجميع أشكال الائتمان المالي.
– بالإرث من الأقارب النّسبيين أو من الزّوج.
– بالضّمان الاجتماعيّ وتقديمات التّقاعد والبطالة والمرض والشّيخوخة وكافة الإجازات.
– بمنع صرفها من العمل بسبب الحمل أو الولادة أو أي تمييز على أساس الوضع العائليّ.
4- الحقوق الثّقافيّة والتّربويّة، وهي تشمل حق المرأة في:
– التّعلّم والتوجيه المهني والحصول على الشهادات في مختلف مؤسسات التّعليم.
– الاستفادة من المنح التّعليميّة والمعلومات التّربويّة كافة المفيدة للمرأة وعائلتها.
– المشاركة النّشطة في الألعاب الرياضيّة والبدنيّة وجميع الأنشطة المجتمعيّة.
ومن الجدير ذكره أنّ الذين وضعوا بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التّمييز ضد المرأة (CEDAW) قد اعترفوا بقصور العقل البشريّ عن الإحاطة بمختلف أحوال المجتمعات المتغيرة، وبعجزه عن إصدار أحكام ثابتة مدى العصور، الأمر الذي يستدعي باستمرار تطوير وتغيير الأحكام الموضوعة جيلًا بعد جيل.[7]
ب- المساواة في الإرث
يبرز مبدأ المساواة بين الذّكور والإناث بشكل كبير في قانون الإرث المدنيّ المطبق على غير المسلمين في لبنان، والذي يسمى بـ” قانون الإرث لغير المحمديين” الصّادر بتاريخ 23/6/1959.
هذه المساواة لا تقتصر على الزّوج والزّوجة، وإنّما تشمل كل جنسين في العائلة إذا كانا من درجة واحدة كالأب والأم، والإبن والإبنة، والأخ والأخت، والجد والجدة، والعم والعمة…
سوف نركّز في هذا المطلب على المواد التي لها علاقة مباشرة بالمساواة بين الذّكور والإناث في ميراث الأقارب، ليتبين لنا عن كثب مدى مراعاة القانون المدنيّ لمبدأ عدم التّمييز بين الجنسين، لا سيما بين أبناء العائلة الواحدة وبين الزّوجين.
1- أسباب الإرث:
– النّسب: وهو القرابة الدّموية الناشئة عن طريق الولادة، وهي أهم أسباب الإرث كونها امتدادًا لحياة القريب الذي يتفاعل معه في العاطفة فيفرح لفرحه ويحزن لحزنه، ويتعاون معه في السّراء والضّراء، ويشدّ أزره عند الحاجة.[8]
– الزّوجيّة: وهي المبنية على عقد زواج صحيح، ويشترط أن تكون باقية حتى الوفاة، وإنما كانت سببًا ثانيًا للإرث، كونها شراكة حياة مديدة بين الزّوجين، ورابطة قوية يجمع بينهما أولادهما غالبًا، ويتعاونان معًا على مرّ الحياة وحلوها.[9]
– التّبني: وهو سبب في القانون المدنيّ والكنسيّ لا غير، فالولد المتبنى يرث الشّخص الذي تبنّاه دون العكس، وذلك عندما تتوفر جميع الشروط الواجبة في التبني.[10]
2- طبقات الإرث:
تنص المادة 14 من هذا القانون على ما يلي: “يقسم الورثة إلى ثلاث طبقات: الأولاد وفروعهم، الأب والأم وأصولهما، الأخوة والأخوات.
إن تقسيم المستحقين للإرث إلى طبقات إنما جاء على أساس درجة القرابة إلى الميت، لذا كان المبدأ أن الأقرب درجة إلى المورِّث هو الذي ينال التّركة دون غيره، وهذا يعني أن الطبقة الأولى تحجب الثانية عن الميراث، والثانية تحجب الثالثة.
3- حالات التّساوي:
يسري مبدأ المساواة في تقسيم التّركات في جميع الطّبقات على الشكل التالي:
– الأولاد يرثون آباءهم بالتّساوي، فقد نصت المادة (15) على أنّه: “أولاد المتوفى وفروعهم يرثون آباءهم وأصولهم دون تمييز بين الذّكور والإناث، وإذا كان الفروع جميعهم من الدرجة الأولى تقاسموا التّركة بينهم بالتّساوي”.
– الأب والأم يرثان أبناءهما بالتّساوي، فقد نصت المادة (16) على أنه: “إذا لم يكن للمتوفى فروع آلت التّركة لأبويه بالتّساوي”، ولو كان لهما فروع فإنهما يتشاركان معهم بنسبة السّدس لكل منهما، وقد أشارت إلى ذلك المادة (19) حيث جاء فيها: “يؤول سدس التّركة لأبوي المورِّث أو لأحدهما الباقي على قيد الحياة إذا كان للمورِّث فروع”.
– الأخوة والأخوات -عند عدم وجود أبوين وأولاد للميت- فإنهم يرثون أخاهم المتوفي بالتساوي ذكورًا وإناثًا إذا كانت القرابة واحدة.[11]
– الجد والجدة يرثان حفدتهما بالتساوي، فقد نصت المادة (17) على أنه: “إذا لم يكن للمتوفى فروع أو أبّ أو أم أو فروع منهما قسّمت التّركة بين الجدود والجدّات”، علمًا أن القانون هنا يقسّم التّركة مناصفة بين الجدّين من جهة الأمّ والجدّين من جهة الأب بالتساوي.[12]
– الزّوج والزّوجة يرثان بعضهما بالتساوي، فالزّوج يرث زوجته المتوفاة بذات النسبة التي ترثه فيها في حال وفاته، لكن القانون لم يُدخِل الزّوجين في طبقة معينة وإنما حدَّد لهما حصة محفوظة يشتركان فيها مع كل الطبقات.
وعلى هذا الأساس تنص المادة (20) من قانون الإرث المدنيّ لغير المحمديين على أنه: “يؤول لزوج المورّث أو زوجته ربع التّركة في حال اجتماعه مع ورثة من الطّبقة الأولى، ونصفها في حال اجتماعه مع الأبّ أو الأمّ أو الأخ أو الأخت، وخمسة أسداس في حال اجتماعه مع الجد أو الجدة، وإذا لم يوجد وارث مما ذكر أعلاه فيستحق زوج المتوفاة أو زوجة المتوفي كامل التّركة”.
من خلال ما تقدم يتبين لنا مدى اعتماد مبدأ المساواة بين الجنسين إذا كانا في طبقة واحدة، مع غضّ النظر عن كونهما زوجين أو غير زوجين، علمًا إنّ هذا القانون قد اعتمد في بعض جوانبه إلى التّشريع الإسلاميّ خاصة ما يتعلق بالنّصاب والطّبقات على ما سيأتي توضيحه.
ج- المساواة في تقسيم الممتلكات
تظهر المساواة بشكل واضح بين الزّوج والزّوجة في تقسيم الممتلكات بعد الطّلاق، وذلك طبقًا للقوانين المدنيّة التي ترعى حالات الزّواج وانحلاله وآثاره الماديّة والاجتماعيّة، وهذا ما بدا جليًا في قانون الزّواج المدنيّ التّونسيّ.
وقد أبديت اهتمامًا بالقانون التّونسيّ باعتباره القانون المدنيّ الوحيد لدى الدّول العربية، وأما ما عداها من الدّول فإنها تطبق التّشريعات الدّينيّة، رغم المناشدات التي تحصل بين الحين والآخر من هيئات المجتمع المدنيّ لتشريع قوانين مدنية للأحوال الشّخصيّة.
وعلى كل حال يمكن القول إنّ الأحكام الخاصة بتصفية الممتلكات الزّوجيّة وفقًا للقانون المدنيّ التّونسيّ تتمثّل في أمور ثلاثة: استرداد الهدايا، أثاث البيت، والأملاك المشتركة.
1- استرداد الهدايا:
تنصّ المادة 28 من قانون الأحوال الشّخصيّة المدنيّ التّونسيّ المعدّلة بتاريخ 12\7\1993 على أنّ: “الهدايا التي يعطيها كل واحد من الزّوجين للآخر بعد العقد يتم استرداد ما بقي منها قائمًا ولو تغير إذا وقع الفسخ قبل الزّفاف بسبب من الطّرف الآخر” [13].
بهذا النّصّ يكون المشرِّع التّونسيّ قد أقر المساواة الكاملة وألغى التمييز بين الزّوجين في استرداد هدايا الخطوبة إذا حصل الطّلاق قبل الزّفاف، أما الهدايا المقدمة بعد العقد إذا حصل الطّلاق بعد الزّفاف فإنّ المادة ذاتها تشير في فقرتها التالية إلى ما يلي: “الهدايا التي يعطيها كل من الزّوجين للآخر بعد العقد لا يتم استرجاع شيء منها بعد الدخول” وبناء عليه، أصبح بإمكان المطلَّقة -إذا كانت زوجة تامة- الاحتفاظ بجميع الهدايا المقدمة لها من زوجها مهما كان أساس الطّلاق، رجعيًا أم خلعيًا، وهكذا الحال بالنّسبة للرجل[14].
علمًا أنّ النّظام القديم كان يلحظ استرجاع الزّوج للهدايا دون الزّوجة، تماشيًا مع الواقع الذي كان قائمًا، أما اليوم وبعدما تغيّرت أوضاع المرأة ودخلت مجال المال والأعمال وأصبحت تتقاضى راتبًا، فمن الطّبيعي أنّها عندما ترتبط برجل تختاره أن تعبِّر له عن مشاعرها وتبادله المحبة على شكل هدايا على غرار ما يقوم به تجاهها.[15]
2- أثاث البيت:
إذا حصل الانفصال بين الزّوجين، وتنازعا في شأن متاع البيت، فإنّ المادة 26 من قانون الأحوال الشّخصيّة المدنيّ التّونسيّ تبت في النزاع على الشّكل التالي: “إذا اختلف الزّوجان في متاع البيت ولا بيّنة لهما، فالقول للزوج بيمينه في المعتاد للرجال، وللزوجة بيمينها في المعتاد للنساء، وإن كان من البضائع التجارية فهو لمن يتعاطى التجارة منهما بيمينه..”
ثم في الفقرة الأخيرة من المادة نفسها ورد ما حرفيته: “في المعتاد للرّجال والنساء معًا فيحلف فيه كل منهما ويتقاسمانه”.
بناء على هذه النصوص القانونيّة يتبين أن الطّريقة المعتمدة في فضّ النزاع بين الزّوجين المطلَّقين المتعلّق بأثاث البيت وفقًا لما يبت به القضاء المدنيّ التّونسيّ على ثلاث مراحل متعاقبة:
– إذا ادعى أحدهما أو كلاهما أن الأثاث -كلّه أو بعضه- ملكه، وأقام البيّنة على دعواه، دون معارضة بيّنة أخرى، حكم له بمقتضاها.
– إن لم يتقدم أي منهما بالبيّنة، كان الحكم لمن يشهد له ظاهر الحال بيمينه، فما يصلح للرجال يكون للزوج بيمينه، وما يصلح للنساء يكون للزوجة بيمينها.
– إن لم يتقدم أي منهما بالبيّنة المقبولة في المحكمة، وكان الأثاث مما يصلح لهما معًا كالمفروشات والأدوات الالكترونية، فيتقاسمانه باليمين.
3- الأملاك الثابتة:
ويقصد منها العقارات، لا سيما منزل العائلة المعدّ للسكن، وقد أدخلها المشرِّع التّونسيّ ضمن نظام خاص بعنوان: “نظام الإشتراك في الأملاك بين الزّوجين” [16]، وذلك حماية لحقوق الزّوجة المعاصرة التي دخلت مجال العمل وباتت تحصل على مكاسب مادية ربما تفوق أحيانًا مداخيل زوجها، وقد تكون شريكة معه في شراء المنزل الزّوجي.
إن مشكلة تصفية الأملاك العقارية بين الزّوجين تبرز بقوة في حال انفصام الرابطة الزّوجيّة لسبب من الأسباب، لاسيما وأنّ الأعراف والتّقاليد التّونسيّة لا تزال قائمة على تسجيل العقارات باسم الزّوج.
إن هذا النّظام -الآنف الذكر- هو: “نظام اختياري يجوز للزوجين اختياره عند إبرام عقد الزّواج أو بتاريخ لاحق، وهو يهدف إلى جعل عقار أو جملة من العقارات ملكًا مشتركًا بين الزّوجين متى كانت من متعلقات العائلة”.
ويكون العقار من متعلقّات العائلة عندما يكون معدًّا لاستعمال العائلة، وهذا ما أوضحه النّظام ذاته الذي ينص على أنه: “تعدّ عقارات مخصّصة لاستعمال العائلة أو لمصلحتها العقارات المكتسبة بعد الزّواج والتي تكون لها صبغة سكنية أو المموّلة بقروض سكنية، أو العقارات المنصوص في عقود اقتنائها على أنّها تستعمل للسكن، أو التي يثبت أنه وقع استغلالها فعلًا لسكنى العائلة” [17].
وفي الوقت الذي خصّت أحكام هذا القانون العقارات دون المنقولات، إلا أنّ الفصل الثاني منه ينصّ صراحة على إمكانية توسيع مجال الاشتراك في الملكية بين الزّوجين لتشمل الأملاك المنقولة كالسّيارات والآلات على اختلافها وتنوعها، كون لها قيمة قد تضاهي أو تفوق قيمة العقارات أحيانًا، وذلك بشرط أن يتفقا صراحة على ذلك في صلب العقد.
وعلى كل حال، فإذا اتفق الطّرفان على الالتزام بهذا النّظام صار هو الحاكم بينهما في تصفية الأملاك المشتركة في حال حصول الطّلاق أو الوفاة أو فقدان أحدهما [18]، بما أن الاشتراك في هذا النّظام أساسه عقد الزّواج، فإذا انفصمت عرى الزّوجيّة بأحد هذه الأسباب الثلاثة كان لزامًا عليهما أو على ورثتهما إنهاء حالة الأملاك المشتركة.
وبناء عليه، فإن تقسيم الممتلكات وفقًا لهذا النّظام إنما يكون بالتساوي التام بين الزّوج وزوجته، وذلك بعد حصرها وضبط قائمة لها وتسديد الديون المتعلقة بها، حيث تتولى المحكمة حصرًا هذا التقسيم بعد الاستعانة بأهل الخبرة، وذلك وفقًا لما ورد في هذا النّظام حيث ينص على أنه: “تقع قسمة المشترك مناصفة بين الزّوجين، وذلك بعد خلاص الديون… وإذا تعذّرت قسمته عينًا اجتهدت المحكمة في إسناده لأحد الزّوجين أو لورثته مراعاة لوضعه أو وضعهم على أن يدفع من أسند له المشترك تعويضًا نقديًا، وإلا التجأت الى تصفيته بالبيع” [19].
ثانيًا: نماذج من العدالة بين الجنسين في الشّريعة
يتساوى الرّجل والمرأة في الإسلام على أساس مبدأ العدالة، كما يتساوى كل خصمين مهما تفاوتت درجتهما في الحسب والنسب والقوة والضعف وما إلى ذلك، ولذا قال الفقهاء: “يجب التسوية بين الخصمين في السلام والرد والإجلاس والنظر والكلام والإنصات وطلاقة الوجه وسائر الآداب الأخرى، وإذا ورد الخصمان مترتبين وجب على القاضي أن يبدأ بالاستماع إلى الذي دخل عليه أولًا، من غير فرق بين الذكر والأنثى والكبير والصغير والشريف والوضيع” [20].
هذه العدالة القضائية تمتد لتشمل في الإسلام سائر الأحكام المتصلة بالجنسين، ومن جملتها ما بات محل نقد وارتياب من قبل العديد من دعاة حقوق المرأة، وأقصد به التمييز بين الرّجل والمرأة في الحقوق والإرث والشهادات والديّات.
وقد عقدتُ هذا المبحث لتسليط الضوء على العدالة المتحققة بين الجنسين في الإسلام رغم وجود الاختلاف أحيانًا، وشرح المبررات المنطقية لهذا الاختلاف، وبيان الحكمة من وراء كل تشريع مخالف ظاهرًا لمبدأ المساواة، ما يشكل إجابات كافية على الإشكاليّات الموجّهة على التّشريعات الإسلاميّة.
أ- العدالة في الحقوق العامة
تناولت الشّريعة الإسلاميّة الحقوق المدنيّة لكل إنسان، بكل حيثياتها وتفاصيلها، وأوردت فيها الأحكام والقواعد، وهي تشمل الرّجل والمرأة على حدٍ سواء، وقد أكّد عليها الإعلان الإسلاميّ لحقوق الانسان[21]، علمًا أنها مستنبطة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وفيما يلي أبرز بنودها:
1- الحقوق المدنيّة:
– الأسرة عماد المجتمع، والزّواج أساس تكوينها، وللرجال والنساء الحق في الزّواج، وعلى الدّولة تسيير سبله وحماية الأسرة ورعايتها. (المادة 5)
– المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانيّة، ولها من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات، ولها شخصيتها المدنيّة وذمتها المالية المستقلة وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها (المادة 6)
– حق اللجوء إلى القضاء مكفول للجميع، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته. (المادة 19)
2- الحقوق السّياسيّة:
– لكل إنسان الحق في التمتع بأهليته الشّرعيّة من حيث الإلزام والالتزام. (المادة 8)
– لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه، والحق في الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر وفقًا لضوابط الشّريعة الإسلاميّة. (المادة 22)
– لكل إنسان الحق في تقلّد الوظائف العامة في بلاده. (المادة 23)
– لكل الشعوب الحق الكامل في التحرر من الاستعمار وتقرير المصير. (المادة 11)
3- الحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة:
– العمل حق تكفله الدّولة لكل قادر عليه، وللانسان حرية اختيار العمل اللائق به. (المادة 13)
– للعامل الحق في الأمن والسلامة والضمانات الاجتماعيّة، وله أن يتقاضى أجرًا عادلًا، مع حقه في الإجازات والعلاوات والترقيات دون تمييز بين الذكر والأنثى. (المادة 13)
– لكل إنسان الحق في التملّك بالطرق المشروعة، ولا يجوز نزع الملكية إلا لضرورات المنفعة العامة ومقابل تعويض فوري وعادل. (المادة 15)
– لكل إنسان حق الرعاية الصحية والاجتماعيّة على مجتمعه ودولته بتهيئة جميع المرافق العامة التي يحتاج إليها في حدود الامكانات المتاحة. (المادة 17)
4- الحقوق الثّقافيّة والتّربويّة:
– لكل طفل منذ الولادة حق على الأبوين والمجتمع والدّولة في الحضانة والتربية والرعاية المادية والعلمية والأدبية. (المادة 7)
– على الدّولة تأمين سبل التّعليم لمواطنيها وضمان تنوّعه بما يحقق مصلحة المجتمع.
– من حق كل إنسان على مؤسسات التربية والتوجيه أن تعمل على تربيته دينيًا ودنيويًا تربية متكاملة متوازنة تعزّز إيمانه بالله واحترامه للحقوق والواجبات وحمايتها.
– لكل إنسان الحق في الإنتفاع بثمرات إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني أو التقني، وله الحق في حماية مصالحه الأدبية والمالية الناشئة عنه.
بعد الانتهاء من أبرز بنود الإعلان الإسلاميّ لحقوق الانسان التي تتعلّق بموضوعنا، يبقى أن نؤكد بعض النّقاط المرتبطة بالزّوجين، وهي:
* اختيار الزّوج: إن الشّريعة الإسلاميّة منحت الفتاة الحريّة التامة في الموافقة على الشّاب الذي يتقدَّم لخطبتها، أو عدم الموافقة، كما هو الحال في الحقوق المدنيّة الواردة في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التّمييز ضد المرأة، لكن باستثناء حالة واحدة وهي الزّواج من المشرك، وذلك تحصينًا للأولاد من الإنزلاق في متاهات الكفر. قال تعالى: “وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا” [22].
* رضا الطّرفين: يشترط عند إرادة الزّواج وفقًا للشّريعة الإسلاميّة أن تتوافق الإرادتان عليه، ولا يتحقّق ذلك إلا بالرّضا والقبول التامّين، وهو نظير شرط الحرية في الحقوق المدنيّة، فلا يصح إكراه الصّبية ولا الشّاب، فلو أكره أي منهما بطل الزّواج.
* استشارة الأب: في الوقت الذي احترم فيه الإسلام رأي الفتاة في اختيار الشّاب واشترط رضاها التام في الزّواج، إلا أنّه أوجب احترام سلطة الولي في القبول بالعريس أو رفضه إذا كانت ابنته لا تزال بكرًا في بيته، ذلك أنّ الوالد أكثر خبرة من ابنته في معرفة معادن الرجال، وهو أحرص النّاس على مصلحتها.
بعد هذا التّفصيل ألا يعدّ اتّهام الإسلام بعدم إعطاء المرأة حقوقها تجنيًا؟
في مقام الجواب يمكن القول إنّ التجني الحقيقي لا يتجلّى في اتهام الإسلام فحسب، وإنما في الجهل بأحكام الإسلام وادعاء المعرفة، وهنا يكون الظّلم ظلمان: ظلم للاتهام، وظلم للجهل.
ب- العدالة في الإرث
من الانتقادات القاسية على الشّريعة الإسلاميّة أنّها كرَّست مبدأ التّمييز ضد المرأة في الميراث، وذلك عندما قال تعالى في كتابه الكريم: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ” [23] كون هذه القاعدة تورِّث البنت نصف ما يرثه الإبن، الأمر الذي يبعث على الضرر المادي عليها، فضلًا عن شعورها بأنها في درجة متدنية عن أخيها.
في مقام الرّد على هذا الانتقاد، فقد أورد الفقهاء ما يلي:
1- ملاحظات على قاعدة المناصفة:
– إن قاعدة “المناصفة” هذه ليست قاعدة ثابتة في كل الأحوال، إذ أن هناك حالات يتساوى فيها نصيب كل من الذّكر والأنثى، كما في نصيب الأب (وهو مذكّر) مع نصيب الأم (وهي مؤنث) فإنّهما يرثان ابنهما المتوفى بشكل متساوٍ، قال تعالى: ﴿وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَاالسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ﴾ [24]. وكذا الحال في نصيب الأخ والأخت للأم، إن لم يكن للمتوفى آباء ولا أبناء، فإنهما يرثان أخاهما بالتساوي أيضًا، قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [25].
– إن قاعدة “المناصفة” لا تُطبَّق في الوصية، فإنّه يجوز للأب أن يوصي في حياته بمراعاة قاعدة المساواة في تقسيم الميراث بعد وفاته بين أبنائه الذّكور والإناث، طالما أنّ الفوارق لم تبلغ حدود ثلث التّركة، كما يجوز له أن يراعي قواعد أخرى على الوجه الذي يراه مناسبًا.
– إن قاعدة “المناصفة” لا تُطبَّق في المال الموهوب مجانًا قبل الوفاة، إذ يجوز للأب أن يمنح البنت من العطايا في حياته ما لا يمنحه للإبن، فالناس مسلَّطون على أموالهم[26]، وقد ورد في الشّريعة استحباب تفضيل الأنثى على الذكر لما ورد عن الرسول (ص): “سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء” [27].
2- الحكمة من قاعدة المناصفة:
أما الحكمة من هذه القاعدة فهي أنّ الشّريعة الإسلاميّة قد لحظت مبدأ الإنفاق في تقسيم الميراث، ونعني بذلك الأعباء المالية المتوجبة على كلٍ من الرّجل والمرأة، فالرّجل وفقًا لما قرّرته أحكام الإسلام يتحمل مهر الزّوجة، وتأثيث البيت، والنفقة على العائلة، وثمن الشقة أو قيمة استئجارها، ونفقات الطبابة والمدارس وغيرها، وربما تقع عليه نفقات العرس، وهو ملزم بالإنفاق على أبويه إذا كانا فقيرين و…، بينما المرأة لا يتوجب عليها شيء من ذلك.
من هذا المنطلق، فالتّفاوت في حصص الميراث بين الذكر والأنثى ليس ناشئًا من نقص في القيمة الإنسانيّة للمرأة كما يدّعي بعض الجاهلين بأحكام الإسلام، فالمرأة من وجهة نظر الدّين الإسلاميّ هي أحسن متاع الدّنيا، وهي مساوية للرّجل في القيمة الإنسانيّة، فقد ورد في حديث رسول الله (ص): “إنّما النّساء شقائق الرجال” [28]، بل ربما تكون أرفع قيمة منه، خاصة إذا كانت أمًّا، فالجنّة تحت أقدام الأمهات [29]، ولكن التّفاوت في الميراث له سبب آخر قد أوضحه الامام محمد مهدي شمس الدين عندما قال: “إن التّفاوت بينهما ناشئ من الامتيازات الاقتصاديّة للمرأة، فحصة الرّجل في الميراث معرَّضة للإنفاق غالبًا وليست موضوعًا للإحراز والإدخار، بينما حصة المرأة لا تواجه أي عبء مالي، إذ لا يجب عليها كما يجب على الإبن والوالد والزّوج” [30].
وبناء عليه، فما تحصل عليه المرأة من الميراث بإمكانها أن لا تدفع منه قرشًا واحدًا لنفقات بيتها، بل قد تصرفه على نفسها وكمالياتها إذا شاءت، بما أنّ حاجيات البيت والعائلة من مسؤوليات الرّجل حصرًا، وفي هذا الإطار يقول أستاذ الشّريعة الدكتور محمد الزّحيلي: “فالتفضيل في حصة الإرث عمليًا هو للأنثى وليس للذكر، لأنّ المرأة عندما تأخذ نصف حصة الرّجل فسوف يكون وضعها المادي أحسن حالًا من الرّجل لعدم تكليفها بشيء من النفقات المذكورة” [31]. [32]
وعلى الرّغم من عدم تكليفها بشيء من النفقات، إلا أنّ الإسلام قد منحها نصيبًا مفروضًا من الإرث، كما اعترف بحقّها المكتسب من ثمرات أعمالها، تأكيدًا على حقها في التملُّك والاستمتاع بالمال، قال تعالى: ﴿ِللرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾[33]، وذلك على عكس التّشريعات العشائريّة السّابقة على الإسلام التي كانت تُحرِم المرأة من معظم حقوقها الماديّة [34].
ج- العدالة في الشهادات والديات
لا شك أن الإسلام يميّز بين الرّجل والمرأة في العديد من المواقع، لكن هذا التّمييز كما أشرنا مرارًا يعود إلى طبيعة الاختلافات الجسميّة والنّفسيّة التي تؤدي إلى اختلاف الأدوار بينهما، ولا يعود إلى نقص في الكرامة الإنسانيّة للمرأة، فالكرامة محفوظة لكلٍ منهما على قدم المساواة.
ومن جملة المميّزات أنّ الإسلام يعدّ شهادة المرأة في مجال القضاء بنصف شهادة الرّجل، وذلك وفقًا لما ورد في الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ… وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [35]، وكذلك يرى أنّ دية المرأة بنصف دية الرّجل، فما تفسير هذه التّشريعات التي يدل ظاهرها على عدم الإنصاف؟
1- التمييز في الشهادات
إن الإجابة على هذا السّؤال يتطلّب إلقاء نظرة سريعة على الفروقات التّكوينيّة بين الرّجل والمرأة التي نقسّمها إلى قسمين:
– فمن النّاحية الجسديّة نجد أن الرّجل بشكل عام يتغلّب على المرأة في ضخامة الجسم والطّول والقوة البدنيّة والخشونة في الصّوت والملمس وغيرها، في حين تتغلّب المرأة عليه في سرعة النّمو وبلوغ سن الرّشد وسن اليأس وما إلى ذلك.
– ومن الناحية النّفسيّة يميل الرّجل إلى المبارزة والقتال واستخدام القسوة عند الإثارة، وتظهر اهتماماته في السّياسة وعالم التّجارة والمال والأعمال، وهو بذات الوقت عبدٌ لشهوته، يعجبه في المرأة الجمال والدلال… في حين أنّ المرأة تميل إلى السّلم والمؤانسة، وتظهر اهتماماتها في مجال الحبّ والجمال والزّينة والموضة والتّسوّق، وتتميز بمشاعر مرهفة أسرع تهيجًا من مشاعر الرّجل، كما تظهر في نفسها مشاعر الأمومة منذ الصّغر، والاهتمام بالحمل والولادة وتربية الأطفال و…
من هذا المنطلق، لمّا كانت الشّؤون القضائيّة تتعلّق غالبًا بالجرائم والجنايات، أو بالصّراعات السّياسيّة، أو بالنّزاعات المالية، فهي ليست من اهتمامات المرأة، وعليه فلا تقوى ذاكرتها لها لأن الانسان إنما يتذكر ما يهمّه، فكيف تكون شاهدًا عليها؟!
ولذا قال الإمام الأكبر محمد عبده: “إنّ المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات الماليّة ونحوها من المعاوضات، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزليّة، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرّجل، ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكّرهم للأمور التي تهمّهم ويمارسونها ويكثر اشتغالهم بها”.[36]
وفي هذا الإطار يقول الشيخ الطّاهر بدوي أيضًا: “إنّ شهادة المرأة في المعاملات الماليّة لا يقع إلا نادرًا، وما كان كذلك فليس من شأنها أن تحرص على تذكره حين مشاهدته، فإنّما تمرّ به مرورًا عابرًا لا تلقي له بالًا، فإذا جاءت تشهد به كان احتمال نسيانها أو خطئها، فإذا شهدت امرأة أخرى بمثل ما تشهد به زال احتمال النسيان والخطأ “.[37]
بناءً على هذه الأسباب جعل الإسلام شهادة المرأة في القضاء بنصف شهادة الرّجل في الشّؤون المتعلّقة بالرّجال غالبًا، أما في الشؤون المختصة بالنساء كالحمل والولادة والبكارة وشبهها، أو في الشؤون المرتبطة بالزّوجين، فإن شهادتها فيها كاملة تامة لا يشوبها أي نقص على الإطلاق.
وللتّدليل على ذلك، فإنّ القرآن الكريم قد نصّ على المساواة بين الزّوج والزّوجة في الشهادات المطلوبة في اللعان،[38] وهي أربع شهادات لكل منهما، قال الله تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ” [39].
لذلك فالشّهادة في القضاء لا ترتبط بإنسانيّة المرأة وكرامتها وأهليتها، وإنّما ترتبط بتوثيق الحقوق لأصحابها منعًا من ضياعها، فالإسلام قد حرص على التّثبت والاحتياط إحقاقًا للحقّ ودحضًا للباطل، وهو يراعي توفير الضمانات الممكنة كافة منعًا للظّلم وتأكيدًا للعدل.
2- التّمييز في الدّيات
الدّيّة هي غرامة مالية شُرِّعت على ارتكاب جناية عن طريق الخطأ، وبها نطقت الآية الكريمة: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًأ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ﴾ [40].
وقد ثبت في الإسلام أنّ ديَة المرأة بنصف دية الرّجل، فلو جنى شخص من غير قصد ولا عمد على امرأة فماتت، كما يحصل اليوم في حوادث السيارات مثلًا، فيجب عليه دفع نصف الدّيّة، وبناءً عليه، فما هي الاعتبارات التي أُخِذَت في هذا التشريع المتميِّز عن الرّجل؟
قبل إيراد الجواب لا بد من التأسيس بما يلي:
– إن هذا التّمييز ليس انتقاصًا من القيمة الإنسانيّة للمرأة، لأنّ الميزان الصّحيح في تقويم قيمة المرأة من النّاحية الإنسانيّة في باب الجنايات إنما يتجلّى في القتل العمديّ، فقاتل المرأة عن سابق تصوّر وتصميم يُقتل شرعًا كما يُقتَل قاتل الرّجل دون تفريق.
– إنّ فقدان المرأة من الأسرة إنّما يسبب نكبة عاطفيّة وخسارة معنويّة كبيرة لا تقدَّر بالمال، وعليه يستحيل تعويض الضّرر المعنويّ، سواء أكانت الأنثى أمًّا أو بنتًا أو أختًا أو غير ذلك.
– الدّيّة ليست عقوبة لردع المجرم، فالجاني غير المتعمد ليس مجرمًا، لانتفاء القصد الإجراميّ، بل هي تعويض ماليّ عن خسارة ماديّة لا بد منها نتيجة قلّة الاحتراس والاحتياط، لاسيما أنّ الدّيّة لا يدفعها الجاني نفسه بل عائلته، كما لا تُدفَع ثمنًا للمقتول، فالمقتول لا يقدّر بثمن، وإنّما هي تعويض لأهل المقتول عمّا لحقهم من ضرر ماديّ.
بناءً على ذلك يقول الفقهاء بما مفاده: إنّ التمييز في الدّيّة بين المرأة والرّجل قد أخذ فيه الاعتبار الاقتصاديّ المحض، لأنّ خسارة الرّجل يسبب غالبًا انقطاع المورد المالي للعائلة كونه كفيل الأسرة ومعيلها، بينما خسارة المرأة لا يسبب هذا الانقطاع المالي.[41]
بعبارة ثانية: إنّ الإنسان عندما يُقتَل يتحقق بذلك خسارتان: الأولى معنويّة والثّانية ماديّة، فالدّيّة شُرِّعت للتّعويض عن الخسارة الماديّة فقط، لأنّ المعنويّة لا يمكن التّعويض عنها بما أنّه لا يمكن إعادة الميّت إلى الحياة، وبناءً عليه فالتّمييز في الدّيّة بين الرّجل والمرأة قد أُخِذَ فيه الاعتبار المادي المحض.
لذلك، فالمشرِّع الإسلاميّ قد لاحظ في دية الرّجل والمرأة الخسارة الاقتصاديّة التي حلّت بالعائلة، ولم يلحظ النّكبة المعنويّة والعاطفيّة التي لا يمكن تعويضها، فأوجب على الجاني غير المتعمّد الدّيّة كاملة إلى عائلة المجنى عليه إذا كان ذكرًا من أجل إعادة ترتيب حياتها الاقتصاديّة بهذا المبلغ الزهيد، ونصف الدّيّة إذا كان المجني عليه إمرأة.
علمًا أنّ الذي يحصل على مال الدّيّة الكاملة في حال موت الرّجل هو المرأة وليس الرّجل، فالزّوجة هي التي تستفيد من الدّيّة الكاملة عند موت زوجها، وهي التي تتصرَّف بها لتستقيم بها حياتها وحياة عائلتها بعد فقدانه، أما الزّوج فإنه في حال موت زوجه من قبل الغير فإنّه يحصل على نصف الدّيّة، لذلك فالاعتبار لمن يحصل على مال الدّيّة وليس لمن كانت الدّيّة عنه، لذلك في الحقيقة هذا التّشريع هو لصالح المرأة وليس الرّجل.
ويمكن إعادة تنظيم الفكرة وفق الحيثيات التالية:
لمّا كان التّعويض عن الضّرر المعنويّ مستحيلًا، إذ فقدان الرّوح لا يعوَّض، وكان الممكن هو التّعويض الماليّ لا غير.
وحيث أنّه من المبادئ الأساسيّة في التّعويض الماليّ أن يكون بقدر الضّرر الحاصل وبنفس النّسبة أو قريبًا منها.
ولمّا كان الضّرر المادي المتأتي عن فقدان الرّجل كبيرًا لأنّه يسبب غالبًا انقطاع المورد المالي للعائلة، بخلاف الضّرر المادي المتأتي عن فقدان المرأة.
فقد تقرّر في الشّريعة الإسلاميّة كامل الدّيّة عن الذّكر ونصفها عن الأنثى، رفعًا للضّرر اللاحق بالعائلة من جهة، وتخفيفًا على الجاني غير القاصد من جهة أخرى.
وفي هذا الصّدد يقول الإمام شمس الدين: “فتقدير الدّيّة يخضع لاعتبارات اقتصاديّة محضة، وأما الاعتبارات الإنسانيّة والعاطفية فلا تقدَّر بالمال في الرّجل والمرأة على السواء”[42].
ثالثًا: نماذج من العدالة الزّوجيّة في الإسلام
على الرّغم من الاعتراضات على العديد من أحكام الإسلام المرتبطة بالعائلة والجنسين عمومًا، إلا أنّ الإسلام يؤكد دومًا أنّ قوانينه نابعة من صميم العدالة المنسجمة مع تطلّعات ورغبات كل من الزّوج والزّوجة.
في هذا المبحث سنسلط الضّوء على ثلاثة من التّشريعات الإسلاميّة المتعلقة بالزّواج، وتعدّ في نظر دعاة القوانين المدنيّة إشكاليّات أساسية على الإسلام، وهي محل انتقاد لاذع وجدال عميق، لنبيّن من خلالها مواطن العدالة بكل تجّرد وموضوعيّة، وهذه الإشكاليّات باختصار تتمحور حول سن الزّواج، المهر المقدَّم والمؤخر، وتعدّد الزّوجات. فما هو المسوِّغ العقليّ والمنطقيّ لمثل هذه التّشريعات في الدين الإسلاميّ؟
أ- سن الزّواج
قبل الإجابة على هذه الإشكاليّات لا بد من التّأسيس ببعض المعطيات، وهي:
1- ينطلق معظم أنصار القوانين المدنيّة في انتقادهم للقوانين الأخرى من اعتبار أن القانون الوضعي هو المعيار الصّحيح للحكم على صحة أو فساد أي نظريّة، علمًا أنّ القوانين الوضعيّة ليست آيات منزلة، بل هي قابلة للأخذ والرد كأي طرح أو رأي قديم أو معاصر.
2- إنّ الفتاوى والأحكام الشّرعيّة الصّادرة عن مراجع الإسلام يتم طرحها في الغالب على المتدينين من دون بيان أسبابها ومسوّغاتها، الأمر الذي يفتح الباب على اجتهادات غير المتخصصين في معرفة العلل والغايات، فتصل الأحكام مشوّهة الى القاصي والداني، وتأخذ الانتقادات مجالها الواسع، علمًا أنّ دين الله لا يصاب بالعقول[43].
3- عند الحكم على التّشريعات الدّينيّة لا بد من الأخذ بالحسبان زمن التّشريع وما بعده، فلا يصح قياسها على هذا العصر الأخير فقط، فأحكام الدّين الإسلاميّ ليست مقتصرة على هذا الزّمن، بل تأخذ بالحسبان الظّروف والمعطيات التي تناسب المرحلة السّابقة أيضًا.
4- في الوقت الذي تعدّ فيه الأحكام الشّرعيّة ثابتة اعتمادًا على الحديث النّبوي القائل: “حلال محمد حلال الى يوم القيامة، وحرامه حرام الى يوم القيامة” [44]. إلا أنّ هذا الحديث لا يمنع من إجراء تعديلات على بعض الأحكام الشّرعيّة عن طريق الاجتهاد، وذلك إذا كانت العلل قد نصَّ عليها القرآن الكريم أو السّنة الشريفة وقد تغيّرت، أو إذا كانت الأحكام معتمدة على الأعراف وقد تبدّلت، أو لمقتضيات الضرورة، وغير ذلك. وبناء عليه، فإنّ الأحكام الشّرعيّة يمكن لها أن تتجدد، وهي حاليًا في حال تجدد دائم، وهي مقبلة على المزيد من التّجددات كما هو الحال مع التّجددات التي حصلت لاتفاقيات حقوق الانسان في القرن العشرين.
5- إن سنّ البلوغ الشّرعيّ للفتاة بحسب الإسلام لا يزال محل خلاف كبير بين الفقهاء، لكنّ الرّأي المعاصر الذي بدأ يغلب على الآراء القديمة هو البلوغ الجسديّ المتمثّل برؤية الدم، وهو المعتمد على الآية الكريمة: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [45]. ويتم الاستدلال بالآية من منطلق الأولوية، بمعنى إذا كان التصرّف بالمال يحتاج الى بلوغ النّكاح (أي البلوغ الجسديّ) فإنّ التّصرف بالنّفس عن طريق الزّواج أولى بالحاجة الى مثل هذا البلوغ.
بعد هذا التّأسيس لا بد من القول إنّ أغلب فقهاء الإسلام يفرِّقون بين سنّ إجراء عقد الزّواج وسن الزّواج المقترن بالوصال الجسديّ. ففي حين يصح إجراء العقد على الفتاة بإذن الأب قبل بلوغها الجسديّ برؤية الدم، فإنّه لا يصح تزويجها بالمعنى التّام والكامل إلا بعد البلوغ الجسديّ “الفيزيولوجي”.
والهدف من تشريع إعطاء الحقّ للفتاة في الزّواج مبكرًا يعود الى ثلاثة أمور أساسية، وهي:
الأول: إنّ الحاجة الغريزيّة لدى الفتاة في الارتباط بالشّاب تبدأ من سن البلوغ الجسديّ، حيث يبدأ الشّعور بالميل نحو الحبّ وأحاديث الشّجون والمجون.
الثاني: إن الزّواج هو أهم عنصر لتحصين الفتاة والشّاب من الانحراف وراء الأهواء النفسيّة التي قد توقع الانسان في متاهات الرّذيلة، وهو وقاية للمجتمع كلّه من الانزلاق إلى تيارات الفساد.
الثّالث: إنّ الإسلام يشجّع على الإنجاب والتّكاثر العدديّ، فالزّواج المبكر يؤدّي هذه الغاية المستحبة، “تزوّجوا الودود الولود فإني مباهي بكم الأمم يوم القيامة” [46]، إضافة إلى أنّ الإنجاب في سنّ الشّباب يؤثّر إيجابًا في البنية الجسديّة والحالة الصّحيّة للمواليد ويمنحهم صفات وراثية جيدة.
ولكن على الرّغم من كل هذا التشجيع إلا أن الزّواج المبكر اليوم لم يعد مطروحًا سوى على المستوى النظري، إذ أن الواقع الحياتي والظروف المعيشية الصّعبة في معظم الدّول الإسلاميّة قد أبعد المسلمين عنه عمليًا.
تجدر الإشارة إلى أننا إذا أخذنا بالحسبان الظروف التي كانت في العصور السابقة، فإننا نجد أن زواج الفتاة آنذاك في سن البلوغ كان أمرًا طبيعيًا ومقبولًا على المستوى العرفيّ، لأن البنية الجسديّة كانت أضخم وأقوى نتيجة عوامل غذائية وبيئية ووراثيّة وغيرها.
أما من ناحية الشّاب، فإنّ زواجه في سن مبكرة في تلك العهود كان أمرًا عاديًا أيضًا كونه ليس مكلفًا على المستوى الماديّ، إذ لم يكن بحاجة سوى إلى شغور غرفة في الدّار، على عكس الحالة التي نعيشها اليوم التي تحتاج إلى تهيئة شقة مستقلة وأثاث كامل ووسيلة نقل وما إلى ذلك.
وفي هذا السّياق لا بد من الإشارة إلى أنّ الإسلام يرى أنّ الفتاة عندما تصبح بالغة بالمعنى الجسديّ فهي لم تعد قاصرة، ولذلك يرفض الشّرع الإسلاميّ تسمية زواج القاصرات، لأنّ هذه التسمية تعتمد على معيار القانون المدنيّ الذي يرى أنّ كل من كان دون الثّمانية عشر من العمر فهو قاصر، ولم تعتمد على المعيار الشّرعيّ الذي يرى أنّ القصور لمن كان دون سن البلوغ الجسديّ، فلماذا اعتماد المعايير القانونيّة وحدها واعتبارها هي القاعدة في الحكم على صحة الأحكام ؟
وقد يتساءل الإنسان: هل بإمكان الفتاة في هذا العمر الطّفوليّ أن تستجيب لمتطلبات الحياة وتتحمل أعباء المنزل الزّوجي بما يحتويه من هموم ومسؤوليات؟
في مقام الاجابة يمكن تسجيل ثلاثة ردود.
الأول: إذا كان الأب يدرك أنّ ابنته لا تزال صغيرة السّن ولا تستطيع تحمّل الأعباء الزّوجيّة فبإمكانه أن لا يزوّجها في هذا العمر المبكر، فالأمر ليس إلزاميًّا على الاطلاق، بل هو حقّ يمكن الالتزام به، كما يمكن عدم الالتزام به.
الثّاني: إنّ المسؤوليات الجسام جرّاء الزّواج إنّما كانت من مفاعيل هذا العصر المتأخر حيث كثرة المتطلبات المعيشية، أما في العصور السابقة فالزّواج لم يكن يتبعه مسؤوليات جسيمة، بل كان متعة سهلة بمتناول الجميع صغارًا وكبارًا، والتشريع إنما كان لكل العصور وليس لهذا العصر المتأخر فحسب.
الثّالث: لا يمكن تعميم الحكم على كل الفتيات واعتبارهن غير قادرات على تحمّل مسؤوليات الزّواج في هذا السّن، بل من المحتمل وجود نسبة كبيرة منهن مؤهلات لحمل هذه الأعباء بكل جدارة، فلماذا منعهنّ من هذه الرّغبة والوقوف في طريقهنّ التي يشعرن بالحاجة إليها؟
ب- المهر المقدَّم والمؤخر
تتعرّض الشّريعة الإسلاميّة في العديد من المحطّات إلى إشكاليات من قبل بعض أدعياء حقوق المرأة، ومن جملتها تشريع المهر[47]، حيث يرون أنّ إعطاءها المهر من قبل زوجها يحطّ من كرامتها، ويجعلها سلعة معرَّضة للبيع والشراء.
وفي هذا الصّدد يمكن الإجابة على ذلك من خلال بيان فلسفة المهر، وهي التالية:
1- لا يصح القول إنّ والد الفتاة قد باع ابنته لشخص غريب لقاء مبلغ من المال، لأنّ هذا المال سواءً كان نقديًا أم عينيًا هو للفتاة نفسها وليس لأبيها.
2- إنّ المهر في نظر الإسلام هو هدية أو منحة يقدمها الخاطب إلى خطيبته كتعبير عن حبّه لها وامتنانه لها لقبولها به شريكًا لحياتها، والهدايا لها الأثر النّفسي الكبير عند المرأة في تعزيز علاقة الود والمحبة [48].
3- إنّ تشريع المهر للزّوجة من قبل زوجها يرفع من قيمة الزّوجة وكرامتها وليس العكس، لأنّها تشعر معه بأنّ زوجها يدفع الغالي والنّفيس من أجل الحصول عليها.
4- أن تشريع الإسلام للمهر المعجل للفتاة إنما كان بهدف تغطية حاجتها المادية في بداية زواجها، حيث تكون بحاجة إلى تجهيز نفسها بأنواع الثياب والحلي والزينة وغيرها، لا سيما وأن المرأة في كثير من الحالات لا تعمل ولا تجني أموالًا، ثم لو كان تجهيزها من قبل والدها لشعرت بالخجل وأنها تحمِّل والدها الكثير من الأعباء.
5- إنّ تشريع المهر المؤجل له غايتان: الأولى أنّه أحيانًا يشكّل رادعًا للزّوج من الإقدام على الطّلاق لأنه سيجده مكلفًا ماديًا، والثانية أنه يشكّل نوعًا من التّعويض لها في حال حصول الموت أو الطّلاق.
بعد هذه الإجابات الموجزة، هل يكون المهر لمصلحة الرّجل أو المرأة؟! وهل أنّ الإسلام كان ينظر في هذه التّشريعات بعين الرأفة إلى الرّجل أو إلى المرأة؟! وهل العدالة تقتضي أن تكون المرأة بلا هدايا ولا تجهيز في بداية زواجها وبلا تعويض في نهايته، أم أن هذا المهر هو عين العدالة في ذاتها؟!
أجل، إنّ المشكلة الرّئيسة عند الآخرين ليست في المهر ولا في الإرث، ولا في غيرهما، وإنما في العقلية الحاكمة عند بعض دعاة المساواة بين الرّجل والمرأة، فإنّهم في هذه الدّعوة يظلمون المرأة ويحمّلونها أعباء العمل خارج المنزل وحمل الهموم والمسؤوليات، مع ما يستدعي ذلك من ترك الأطفال لدى الحاضنات أو الخادمات، إضافة إلى تحمُّل الأعباء داخل المنزل وكل ما تتطلّبه العائلة، ثم الإنفاق على العائلة بالتّساوي مع الزّوج، علمًا أن غريزة المرأة ورغبتها الفطريّة تظهر في مجال الأمومة وترتيب بيتها وتربية أطفالها و…
المشكلة أنّ هؤلاء يسعون سعيًا حثيثًا إلى مساواة المرأة بالرّجل في كافة القوانين والأنظمة والحقوق والواجبات متجاهلين الاختلافات الغريزيّة والطبيعيّة والنّفسيّة والجسديّة بينهما، وفي هذا المجال يقول العلامة مرتضى المطهري: “إنّ المرأة في الغرب لم تحصل على حقوق مساوية لحقوق الرّجل إذا أخذنا بالاعتبار وضعها النّفسي والفيزيولوجيّ، لأنّ المرأة إذا أرادت أن تحصل على حقوق مساوية لحقوق الرّجل وعلى سعادة مساوية لسعادة الرّجل فإن طريقها الوحيد هو أن تطلب إعطاء الرّجل حقوقه المناسبة له فيزيولوجيًا، وإعطاءها حقوقها المناسبة لها فيزيولوجيًا ” [49].
ج – تعدّد الزّوجات
لا تزال قضية تعدد الزّوجات تعدّ من القضاية الشائكة بين الفكرين الغربيّ والشّرقيّ، ففي حين ينتقدها القانون المدنيّ ويمنعها منعًا باتًا لتعارضها مع مبدأ المساواة بين الرّجل والمرأة، فإنّ الإسلام يراها ضرورية لتحصين المجتمع ولإعطاء كلّ إنسان حقّه، وهي لا تتنافى مع مبدأ العدالة الذي هو أهم من مبدأ المساواة بحسب الإسلام.
ولأجل توضيح الفكرة لا بدّ من الخوض في هذه القضية من زوايا ثلاث: نشأة تعدد الزّوجات، مسوّغاته، وموقف الإسلام منه.
1- نشأة تعدّد الزّوجات
يروي لنا التّاريخ إنّ عادة تعدّد الزّوجات كانت شائعة منذ العصور القديمة لدى معظم الشّعوب الشّرقيّة والغربيّة على السّواء، واستمرّت الى العصور الوسطى في آسيا وأوروبا، فلما ظهر الإسلام وجدها ظاهرة منتشرة على أكثر من صعيد، فعمل على تقنينها وتحديدها، ووضع لها قيودًا وشروطًا قاسية على ما سيأتي توضيحه.
وللتّدليل على ذلك يقول المؤرّخ والفيلسوف الأميركي ويل ديورانت: “ولقد ظنّ رجال الدّين في العصور الوسطى أن تعدد الزّوجات للزّوج الواحد نظام ابتكره محمد ابتكارًا لم يسبق إليه، لكنه في الواقع نظام سابق للإسلام بأعوام طوال، لأنه النّظام الذي ساد العالم البدائي” [50]، ويقول المؤرّخ والفيلسوف الفرنسي شارل مونتسكيو: “أباح فلنتانيان[51] لأسباب خاصة تعدد الزّوجات في الإمبراطورية الرومانية…” [52]، ثمّ أضاف في موضع آخر: “كان قانون تعدّد الزّوجات قد شرّع في جزر المالديف حيث يبيح الزّواج من ثلاث نساء” [53].
أضف إلى ذلك أنّ القرآن الكريم قد أشار في العديد من آياته عند سرد قصص الأنبياء الأولين إلى أن تعدد الزّوجات كان شائعًا في زمانهم، وكان ممّن تزوج بأكثر من واحدة الأنبياء: إبراهيم، يعقوب، يوسف، داوود، سليمان، وغيرهم.
2- مسوّغات تعدّد الزّوجات
ذكر المؤرّخون مجموعة من العوامل التي كانت سببًا لتعدد الزّوجات تاريخيًا، لا سيما في الشّرق، لكن هذه العوامل لا يمكن القبول بها جميعها، بل يمكن قبول بعضها، وهي التالية:
– العوامل الجغرافيّة: يصرّ شارل مونتسكيو على أنّ مناخ الشّرق الحار يستدعي وجود هذه العادة، فالمرأة في هذا المناخ تصل الى مرحلة البلوغ في وقت مبكر وتشيخ في وقت مبكر، مما يدفع الرّجل الى الزّواج ثانية وثالثة، خاصة إذا عرفنا أنّ الرّجل في ظلّ هذا المناخ يمتلك طاقة جنسيّة لا ترضيها زوجة واحدة.
يقول مونتسكيو: “النّساء في الأقاليم الحارة بالغات في الثامنة والتاسعة والعاشرة… وتشيب في العشرين من عمرهنّ… لذلك يكون من الأمور البسيطة جدًا أن يترك الرّجل امرأته لينال امرأة أخرى وأن يصار الى تعدّد الزّوجات” [54].
لكن لا يمكن قبول هذا الكلام لأنّ ظاهرة تعدد الزّوجات لم تكن مقتصرة على البلاد الحارة، كما أنّه من الغريب القول بهرم النّساء في سن العشرين في أي بقعة من بقاع العالم.
– العوامل الاقتصاديّة: يذكر العلامة مرتضى مطهّري[55] إنّ الرّجل في العهود القديمة كان يقدم على تعدد الزّوجات لاستخدامهنّ في العمل الزّراعي والإستيلاد، حيث كان بعضهم يكثر من الأولاد لبيعهم في سوق النّخاسة نتيجة الفقر والعوز، وإنّ سبب استعباد الكثير من النّاس في ذلك الوقت لم يكن الوقوع في الأسر في أثناء الحروب وإنّما كان بسبب بيع الآباء لأبنائهم.
ولا يمكن القبول بهذا السّبب أيضًا إلا جزئيًا، لأنّ عادة تعدد الزّوجات إنّما كانت سائدة أكثر بين الطّبقات الغنية والمترفة، وهؤلاء بالطبع لم يكن غرضهم الانتفاع الاقتصادي من النساء والأطفال.
– عامل زيادة العشيرة: في العصور السّابقة كان عدد أفراد العشيرة أمرًا في غاية الأهمية، لأنّه باعث على القوة والحماية من الأعداء، والافتخار على القبائل الأخرى، فكان التنافس شديدًا على الإنجاب، وقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد هذا المعنى لدى عرب الجاهلية قبل الإسلام حيث قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [56]، ومن البديهي أن هذه الغاية لا تُدرك إلا بتعدد الزّوجات، فهي الطريقة الأساسية لزيادة الأعداد البشرية.
– العقم والأمراض الخطيرة: لمّا كان الإنجاب أحد غايات الزّواج الأساسية، وهو حقّ لكلّ من الزّوج والزّوجة، فإذا كان أحدهما عاقرًا أو مريضًا مرضًا خطيرًا، وأصرّ الآخر على طلب الولد لحاجته الغريزية إليه، فلا ينبغي حرمانه من الزّواج الثّاني بذريعة القَدَر، فإنّه إذا حلّ القدر على أحدهما فمن الإجحاف تعميمه على الآخر، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [57] أي لا تأخذ الآخر البريء بجريرة الأول، لأنّنا إذا كنا أمام مشكلة لشخص واحد فنصبح أمام مشكلتين لشخصين.
– زيادة عدد النّساء على عدد الرّجال: ليس المقصود زيادة نسبة مواليد الإناث على الذّكور، فربما كانت مواليد الذّكور أكثر أحيانًا، وإنّما المقصود زيادة أعداد الفتيات المؤهلّات للزّواج على أعداد الفتيان المقبلين عليه.
وتوضيح ذلك: إنّ النّسبة العالمية للمواليد في أكثر بقاع الأرض تتراوح بين 48 و52 % بين الذّكور والإناث، وهي نسبة معتدلة إجمالًا، لكن هذه المواليد عندما تصل الى العقد الثالث من العمر تتغيّر النسبة لصالح زيادة الإناث على الذّكور بسبب كثرة وفيات الذّكور نتيجة الحروب والأمراض،[58] فإنه في حال الالتزام بوحدة الزّوجة فإن هذا الأمر سيؤدي الى حرمان أعداد كبيرة من الإناث من الزّواج، وبالتالي عدم الحصول على حقّهنّ الطبيعي في تأسيس الأسرة وإنجاب الأطفال.
لهذا السّبب كان زيادة عدد النساء على عدد الرجال من العوامل المؤثرة في نشوء ظاهرة تعدد الزّوجات منعًا من إبقاء أحد من النساء دون زواج.
3- موقف الإسلام من تعدد الزّوجات
لهذه الأسباب الآنفة، بل للسبب الأخير بشكل خاص، بنى الإسلام موقفه المؤيد لتعدد الزّوجات، ورأى أنّه إذا كان العمل بقانون الزّوجة الواحدة سوف يؤدّي إلى حرمان بعض النّساء من حقهنَّ الطّبيعي في الزّواج وتشكيل الأسرة كباقي النّاس، فإن العمل بتعدد الزّوجات يصبح أمرًا مباحًا تحصيلًا لحق تلك النّسوة المحرومات من أهم حقوقهنّ.
يقول العلامة مرتضى مطهري: “إنّ حقّ الزّواج من أهم حقوق الانسان، ولا يجوز حرمان أحد من البشر منه بأية حجة، وكل فرد له مثل هذا الحق على مجتمعه… وكما أنّ حق العمل وحقّ المسكن وحقّ التّعليم وحقّ الحرية تعدّ حقوقًا أساسية للإنسان لا يجوز حرمانهم منها تحت أي ذريعة، كذلك حق الزّواج…” [59]
علمًا أنّ حقّ الزّواج يهمّ المرأة أكثر من الرّجل، لأنّها أكثر احتياجًا لمبادلة الحبّ والفوز بقلب الرّجل وبناء عش الزّوجيّة وتأسيس الأسرة، كما أنّ غريزة الأمومة من أشد الغرائز التصاقًا بها على المستوى العاطفيّ والرّوحيّ، لا يقوم مقامها اتّخاذ الصّاحب ولا يضاهيها أية حاجة ماديّة أو معنويّة مغايرة.
من هنا فإنّ الدّفاع عن حقوق المرأة الحقيقية إنّما يكون بالدّفاع عن حقوقهنّ الطّبيعية في تأمين الزّواج لهن، وليس في منع شريحة كبيرة منهنّ عن الزّواج بذريعة المساواة بين المرأة والرّجل، فهذه المساواة هي على حساب العانسات، ولهذا السبب يتداعى عدد كبير من النّساء المثقفات سنويًا إلى مظاهرات للمطالبة بتعدد الزّوجات ولإنقاذهن من العنوسة.[60]
لذلك يحلّ الإسلام هذه المشكلة من خلال زواج بعض الرّجال أكثر من امرأة بشرط أن تتوفر فيهم مواصفات ماليّة وأخلاقيّة وبدنيّة معينة بما يحقّق للزّوجة الثّانية جميع الحقوق والامتيازات العادلة التي لا تمييز فيها لأية زوجة على أخرى.
تجدر الإشارة إلى أنّ تعدد الزّوجات ينسجم تمام الانسجام مع طبع الرّجل وسجيته وغريزته، ولا يتعارض بالأساس مع فطرة المرأة، وهذا ما يعترف به علماء النفس وفلاسفة الاجتماع، يقول ول ديورانت: “إن الرّجل طبع على تعدد الزّوجات، ولا يمكن أن يفرض عليه نظام الزّوجة الواحدة إلا بواسطة أقسى القيود الأخلاقية ودرجة معينة من الفقر والعمل الشاق والمراقبة الدائمة من قبل الزّوجة” [61].
فالرّجل يرى في التنوع لذَّة، وهو ما يصعب على النّساء إدراكه. أما المرأة وإن كانت تكره التعدد لزوجها، وهي لا تطيق الضرّة، لكن هذا الكره إنما كان نتيجة التّربية المجتمعيّة، وشياع ظاهرة وحدة الزّوجة، وليس نتيجة الفطرة والطّبع المغروس في أصل خلقتها.
جاء في مقالة صحفية بعنوان: “الحبّ والزّواج على الطّريقة الفرنسيّة [62]: ” في فرنسا إذا ارتكب الزّوج الخيانة فإن الزّوجة أحيانًا تسلّي نفسها بالقول: إنّه قد ذهب إلى تلك المرأة بجسمه فقط، أمّا روحه وعواطفه فهما ملك لي وحدي”.
لذلك كله، لا بد من تحرير تعدد الزّوجات حفاظًا على حقوق العانسات من الضّياع، لأنّ عدم التّعدد سيجعل نسبة كبيرة من النّساء من دون زواج، وهؤلاء سيدفع بهن المجتمع إلى الرّذيلة أحيانًا، وخصوصًا في الدّول الغربية حيث التحرر الجنسيّ، وفي هذا الصّدد يقول مرتضى مطهري: “وهذا هو المغزى الحقيقي من قانون عدم التّعدد في الغرب، إنهم يريدون الإبقاء على هذه النّسبة من العانسات لملذاتهم، وللتّحرر من قيود الزّواج، لكنهم يعرضون المسألة على أنها دفاع عن المساواة بين الجنسين” [63].
وعلى الرغم مما تقدم، فإنّ الإسلام في الوقت الذي يبيح تعدد الزّوجات، فإنّه لم يجعل ذلك واجبًا مفروضًا، وإنما مباحًا، فالرّجل بالاختيار إن شاء عدّد وإن شاء وحّد. والشّريعة تفضّل الوحدة على التّعدد لأنّ نظام الزّوجة الواحدة أهدأ بالًا، وهو يحقّق وحدة الأسرة، لكن التّعدد إنما أبيح من أجل حلّ مشكلة اجتماعية لنسبة كبيرة من النّساء والرجال.
أضف إلى ذلك أنّ الإسلام عندما شرَّع التّعدد فقد شرَّعه من خلال إجراء مجموعة إصلاحات أدخلها على عادات الزّواج التي كانت سائدة في الجاهلية، تلك العادات كانت تشرِّع الأبواب للرجال للزواج والطّلاق بشكل عشوائي دون قيود أو حدود، وهذه الاصلاحات هي التالية:
– العدد الأقصى المسموح للرّجل بالزّواج هو أربع نساء، بعد أن كان العدد مفتوحًا في عصر الجاهلية.
– العدالة بين الزّوجات، وإعطاء كل منهن حقها الكامل دون تمييز بينهن، إلى درجة بطلان كل شرط يخالف هذه القاعدة.
– توفر القدرة المالية والجسديّة الكافية للقيام بأعباء الزّواج المتعدد، وذلك من أجل عدم حرمان الزّوجة السابقة بفعل الزّواج باللاحقة.
الخاتمة:
في ختام البحث، يمكن تسجيل أهم النتائج ضمن النقاط التالية:
– يبرز مبدأ المساواة بين الذّكور والإناث بشكل كبير في قانون الإرث المدنيّ المطبق على غير المسلمين في لبنان، وهذه المساواة لا تقتصر على الزّوج والزّوجة، وإنما تشمل كل جنسين في العائلة إذا كانا من درجة واحدة، كالأب والأم، والإبن والإبنة، والأخ والأخت، والجد والجدة، والعم والعمة، والخال والخالة…
– تظهر المساواة بشكل واضح أيضًا بين الزّوج والزّوجة في تقسيم الممتلكات بعد الطّلاق وفقًا للقوانين المدنيّة التي ترعى حالات الزّواج وانحلاله وآثاره المادية والاجتماعيّة، وتتمثل التسوية بشكل أساسي في ثلاثة أمور: استرداد الهدايا، تصفية أثاث المنزل، وتقاسم الأملاك الثابتة بالتساوي التام.
– تناولت الشّريعة الإسلاميّة الحقوق المدنيّة لكل إنسان بكافة حيثياتها وتفاصيلها، وأوردت فيها الأحكام والقواعد، وهي تشمل الرّجل والمرأة على حد سواء، وهذا ما أكد عليه الإعلان الإسلاميّ لحقوق الإنسان الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلاميّ، فشدّد على المساواة في الكرامة الإنسانيّة دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المعتقد الديني…
– يمنح الإسلام المرأة حقوقها في الميراث، ويؤكد على أن قاعدة المناصفة “للذكر مثل حظ الإنثيين” ليست ثابتة في كل الأحوال، إذ هناك حالات يتساوى فيها نصيب كل من الذكر والأنثى. كما أن هذه القاعدة لا تُطبَّق في الوصية ولا في المال الموهوب قبل الموت. أما في حالات التمييز بين الذكر والأنثى فإنّ الشرع قد لحظ مبدأ الإنفاق الواجب على الرّجل.
– يميز التشريع الإسلاميّ بين الرّجل والمرأة في الشهادة القضائية، فيعتبر شهادة الرّجل تساوي شهادة امرأتين، طبقًا لقوله تعالى: “فاستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان…” باعتبار أن الشهادة ترتبط بالنزاعات المالية والسّياسيّة والجزائية التي ليست من اهتمام المرأة، أما ما يعود إلى شؤون النساء فشهادتها كاملة لا نقص فيها.
– اشتهر عند فقهاء الإسلام أن دية المرأة في قتل الخطأ بنصف دية الرّجل، وليس ذلك انتقاصًا من قيمتها الإنسانيّة، إذ إن فقدانها يسبب خسارة معنوية ربما كانت أبلغ أثرًا من فقدان الرّجل، لكن الإسلام ينظر إلى التعويض المالي من ناحية الجهة التي ستقبض المال، وبناءً عليه فإنّ دية الرّجل ستكون من حصة عائلته، فتكون حصة المرأة في الدّيّة ضعف حصة الرّجل وليس العكس.
– فيما يرتبط بسن الزّواج للفتاة، فإنه يبدأ بحسب الإسلام من سن البلوغ الذي اختلف عليه الفقهاء بين تسع سنوات ورؤية الدم، وقد ذكروا أن الهدف من تشريع الزّواج المبكر هو تحصين الفتاة والشّاب من الإنحراف وراء الأهواء النفسية، ووقاية للمجتمع، وتشجيعًا على زيادة الإنجاب، وأن الإنجاب في سنّ مبكرة أفضل من السنين المتأخرة لجهة صحة أجسام المواليد، إضافة إلى أن سن البلوغ هو العمر الذي تشعر معه الفتاة بالميل نحو الحب وأحاديث الشجون والمجون.
– أما المهر فقد نظر إليه الإسلام على أنه بمثابة هدية أو منحة يقدِّمها الخاطب إلى خطيبته كتعبير عن حبّه لها واعتزازه بها وامتنانه لها لقبولها به شريكًا لحياتها، كما أن المهر يرفع من قيمة الزّوجة لأنها تشعر معه بأن زوجها يقدّم الغالي والنفيس من أجل الحصول عليها.
– إن الغاية من المهر المعجَّل هو تغطية التكاليف المادية التي تحتاجها الزّوجة في بداية حياتها الزّوجيّة، حيث تكون بحاجة إلى تجهيز نفسها بأنواع الثياب والحلي والزينة، لا سيما أن المرأة تاريخيًا لم تكن تعمل ولا تكتسب أموالًا.
– للمهر المؤجل غايتان: الأولى أنه قد يشكل رادعًا للزوج من الإقدام على الطّلاق لأنه سيكون مكلفًا عليه ماديًا، والثانية أنه يشكل نوعًا من التعويض للزوجة في حال حصول الطّلاق أو موت الزّوج.
– وفيما يتعلق بتعدد الزّوجات فإنه كان شائعًا في العصور القديمة لدى معظم الشعوب الشرقية والغربية على السواء، وهو ما يؤكده المؤرخون، واستمرت هذه العادة إلى العصور الوسطى في آسيا وأوروبا وافريقيا، أما الإسلام فقد جاء متأخرًا ووجد هذه الظاهرة منتشرة على أكثر من صعيد، فعمل على تقنينها وتحديدها ووضع لها قيودًا وشروطًا قاسية.
– يذكر المؤرخون مجموعة من العوامل التي كانت سببًا في تعدد الزّواج تاريخيًا، من جملتها العوامل الجغرافية المتمثلة في المناخ الحار في الشرق، والعوامل الاقتصاديّة لإستخدام النساء في العمل الزراعي وفي الإستيلاد بهدف بيع الأولاد كرقيق، وعوامل زيادة العشيرة، ولأسباب العقم والأمراض الخطيرة، أو لزيادة عدد النساء على الرجال.
– بنى الإسلام موقفه المؤيد لتعدد الزّوجات اعتمادًا على السبب الأخير بشكل أساسي، لأن السير بقانون الزّوجة الواحدة سوف يؤدي إلى حرمان أعداد كبيرة من النساء من الزّواج، علمًا أن الزّواج من أهم الحقوق الإنسانيّة لكل ذكر وأنثى، وهو يهم المرأة أكثر من الرّجل، لأنها أكثر احتياجًا لمبادلة الحب، وبناء عش الزّوجيّة، وتأسيس الأسرة، كما أن غريزة الأمومة من أشد الغرائز قوة في المرأة على المستوى العاطفي والروحي.
وفي الختام لا بد من التذكير أن هذا الموضوع الذي بين أيدينا يعتبر من أوسع الموضوعات التي لا تقف عند حد، وقد اقتصرت فيه على موضع الإشكالية، لكن المجال لا يزال متيسرًا للتعمّق فيه والإسهاب في تفاصيله أكثر، بل التوسع إلى أحكام أخرى تتصل به عن قريب.
المصادر والمراجع
أ- الكتب المقدّسة:
1 – القرآن الكريم
2 – نهج البلاغة
ب- الاتفاقيات الدّوليّة:
3 – الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
4 – الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان.
5 – المعاهدة الدّوليّة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ((sedaw.
ج- أمهات المصادر:
6 – البخاري، محمد بن اسماعيل: صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت، 1996.
7 – الترمذي، محمد بن عيسى: سنن الترمزي، دار المعرفة، بيروت، 2002.
8 – الحلّي: شرائع الإسلام، ط2، دار الأضواء، بيروت، 1983.
9 – السيوطي، جلال الدين: الجامع الصغير من حديث البشير النذير، د.ن، د.ت.
10 – الكليني، محمد بن يعقوب: فروع الكافي، مكتبة الصدوق، طهران، 1381 ه.
د- المراجع المتخصصة:
11 – بدران، ابو العينين: أحكام التركات والمواريث في الشّريعة الإسلاميّة والقانون، د.ن، 1964.
12 – بدوي، الطاهر: مفهوم المساواة في الإسلام، وأبعادها، دار الكتب العلمية، بيروت، 2008.
13 – بن سعد، ثريا: آثار الطّلاق بين التشريع والواقع المجتمعي- تونس أنموذجًا، مجمع الأطرش للكتاب، تونس، 2009.
14 – التسخيري، محمد علي: حقوق الإنسان بين الإعلانين الإسلاميّ والعالمي، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة، طهران، 1997.
15 – الخميني، روح الله: تحرير الوسيلة، نشر سفارة الجمهورية الإسلاميّة الايرانية في بيروت، 1987.
16 – ديورانت، ول: قصة الحضارة، دار الجيل، بيروت، 1988.
17 – ديورانت، ول: مباهج الفلسفة، ترجمة أحمد الأهواني، نشر المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2006.
18 – الزحيلي، محمد: حقوق الانسان في الإسلام، ط6، دار إبن كثير، دمشق، 2011.
19 – شلتوت، محمود: الإسلام عقيدة وشريعة، ط17، دار الشروق، القاهرة، 1997.
20 – شمس الدين، محمد مهدي: التجديد في الفكر الإسلاميّ، دار المنهل اللبناني، بيروت، 1997.
21 – الصنعاني، محمد بن إسماعيل: سبل السلام، دار الجيل، بيروت، 1980.
22 – مسيكة، فتنت: حقوق المرأة بين الشرع الإسلاميّ والشرعة العالمية لحقوق الانسان، مؤسسة المعارف، بيروت، 1992.
23 – مصطفوي، محمد كاظم: مائة قاعدة فقهية، ط 9، مؤسسة النشر الإسلاميّ، قم، 1434 هـ.
24 – مطهري، مرتضى: نظام حقوق المرأة في الإسلام، نشر سازمان تبليغات اسلامى، طهران، 1985.
25 – مونتسكيو، شارل: روح الشّرائع، اللجنة الوطنية اللبنانية للتربية والعلم والثقافة (الأونيسكو) بيروت، 2015.
26 – نهرا، يوسف: الإرث لدى جميع الطوائف اللبنانية، ط 3، د. ن، بيروت 1989.
[1]– رئيس قسم الشريعة في كلية الدراسات الاسلامية (الجامعة الاسلامية في لبنان).
[2]– ديورانت، ول: مباهج الفلسفة، ترجمة أحمد الأهواني، نشر المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2006، ص155.
[3]– مسيكة، فتنت: حقوق المرأة بين الشرع الاسلامي والشرعة العالمية لحقوق الانسان، مؤسسة المعارف، بيروت، 1992، ص33.
[4]– الإعلان العالمي لحقوق الانسان، المادة رقم 2.
[5]– مطهري، مرتضى: نظام حقوق المرأة في الاسلام، نشر سازمان تبليغات اسلامى، طهران، 1985، ص 185.
[6]– من قبيل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/1979.
[7]– مسيكة، فتنت: حقوق المرأة بين الشرع الاسلامي والشرعة العالمية لحقوق الانسان، م.م، ص 83.
[8]– بدران، ابو العينين بدران: أحكام التركات والمواريث في الشريعة الإسلامية والقانون، د.ن، 1964، ص 74.
[9]– م.ن، ص74.
[10]– نهرا، يوسف: الإرث لدى جميع الطوائف اللبنانية، ط 3، د. ن، بيروت 1989، ص 54.
[11]– أي إذا كان الإخوة جميعهم من أبوين للميت، أو جميعم من أب للميت، أو جميعهم من أم للميت. أما إذا كانت القرابة متفاوتة بحيث كان بعض الأخوة أشقاء من الأبوين، وبعضهم من أب فقط أو من أم فقط، فالأشقاء يرثون من الجهتين، بينما غير الأشقاء يرثون من جهة واحدة. راجع: يوسف نهرا، الإرث لدى جميع الطوائف اللبنانية، م.م، ص 80.
[12]– م.ن، ص 91.
[13]– بن سعد، ثريا: آثار الطلاق بين التشريع والواقع المجتمعي- تونس أنموذجاً، مجمع الأطرش للكتاب المختص، تونس العاصمة، 2009، ص 87.
[14]– م.ن، ص 87.
[15]– البيِّنة هي عبارة عن شاهدين عادلين مقبولين من المحكمة.
[16]– صدر هذا النّظام في العدد رقم 91 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية بتاريخ 9/11/1998، ملحق رقم 9.
[17]– الفصل (11) من النّظام المذكور.
[18]– حدّد المشرّع التونسي في أحكام الفصل (18) من نظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين حالات انتهاء الاشتراك في الملكية بينهما بثلاثة أسباب على سبيل الحصر، وهي: الطلاق، وفاة أحد الزوجين، فقدان أحدهما المحكوم به قضائياً.
[19]– الفصل (25) من النّظام المذكور.
[20]– الخميني، روح الله: تحرير الوسيلة، ج2، نشر سفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية في بيروت، 1987، ص371. والحلي، نجم الدين جعفر بن الحسن: شرائع الاسلام، ط2، دار الأضواء، بيروت، 1983، ص80.
[21]– راجع: التسخيري، محمد علي: حقوق الإنسان بين الإعلانين الإسلامي والعالمي، نشر رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، طهران، 1997، ص 30.
[22]– القرآن الكريم: سورة البقرة، الآية 221.
[23]– القرآن الكريم: سورة النساء، الآية 11.
[24]– القرآن الكريم: سورة النساء، الآية 11.
[25]– القرآن الكريم: سورة النساء، الآية 12.
[26]– وهي قاعدة فقهية في الشريعة الاسلامية تؤكد حق كل إنسان في التصرّف بماله كيف يشاء عدا موارد الضرر والحرمة. محمد كاظم المصطفوي: مائة قاعدة فقهية، ط 9، مؤسسة النشر الاسلامي، قم، 1434 هـ، ص137.
[27]– الصنعاني، محمد بن إسماعيل: سبل السلام، ج3، دار الجيل، بيروت، 1980، ص 937.
[28]– الترمذي، محمد بن عيسى: سنن الترمزي، دار المعرفة، بيروت، 2002، كتاب الطهارة، حديث رقم 105.
[29]– السيوطي، جلال الدين: الجامع الصغير من حديث البشير النذير، د.ن، د.ت، ص 339.
[30]– شمس الدين، محمد مهدي: التجديد في الفكر الاسلامي، دار المنهل اللبناني، بيروت، 1997، ص 253.
[31]– الزحيلي، محمد: حقوق الانسان في الاسلام، ط6، دار إبن كثير، دمشق، 2011، ص 223.
[32]– ولتقريب الفكرة إلى الذهن أكثر نقول: إذا أنفق الأب على ابنه الشاب الذي يدرس في الجامعة 100.000 ليرة شهرياً، في حين كان ينفق على ابنه الآخر الصغير الذي في الحضانة 10.000 ليرة شهرياً، وذلك باعتبار أن الشّاب عليه نفقات أجرة الطّريق ومشتريات واجبة لدراسته، بينما الصّغير ليس عليه نفقات سوى ما يشتريه من حانوت المدرسة، فهل يعدّ هذا التمييز مخالفاً للأعراف المجتمعية؟ أو أنه عين العدالة في توزيع الحقوق؟ من الطبيعي في الجواب أن نقول إنّ العرف المجتمعيّ يرى تصرّف الأب عادلاً لأنّه يقوم على مبدأ التّوزيع بحسب الحاجات. من هذا المنطلق تصرّفت الشريعة الإسلامية في توزيع الميراث بين الذكر والأنثى، فالشريعة لمّا أوجبت على الرجل جميع أنواع المصاريف على العائلة، ولم توجب على المرأة أي نوع من المصاريف، فقد لحظت مبدأ التوزيع وفق الحاجات والمتطلبات والنفقات.
[33]– القرآن الكريم: سورة النساء، الآية 32.
[34]– مسيكة، فتنت: حقوق المرأة بين الشرع الاسلامي والشرعة العالمية لحقوق الانسان، م.م، ص 136.
[35]– القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 282.
[36]– نقلاً عن شيخ الأزهر الأسبق الامام محمود شلتوت في كتابه: الإسلام عقيدة وشريعة، ط17، دار الشروق، القاهرة، 1997، ص 240.
[37]– بدوي، الطاهر: مفهوم المساواة في الإسلام، وأبعادها، دار الكتب العلمية، بيروت، 2008، ص 75.
[38]– اللعان تشريع يحصل في محضر القاضي يتضمن الشهادة أمامه أربع مرات لكل من الزوج والزوجة، ثم إضافة شهادة خامسة معاكسة لكل منهما، وذلك فيما إذا اتهم الزوج زوجته بالزنا مع إنكارها وليس لديه شهود، وينتج عنه الانفصال الدائم بينهما.
[39]– القرآن الكريم، سورة النور، الآيات من 6 إلى 9.
[40]– القرآن الكريم، سورة النساء، الآية 92.
[41]– شمس الدين، محمد مهدي: التجديد في الفكر الإسلامي، م.م، ص 253 .
[42]– شمس الدين، محمد مهدي: التجديد في الفكر الإسلامي، م.م، ص 253.
[43]– هي عبارة يرددها فقهاء الإمامية في مؤلفاتهم يقصد منها أن التشريع الاسلامي مصدره القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وليس القياس العقلي المعتمد على تشبيه الأحكام ببعضها لوجود مناسبات معينة.
[44]– الكليني، محمد بن يعقوب: فروع الكافي، مكتبة الصدوق، طهران، 1381 ه، ج1، حديث7، ص58.
[45] – القرآن الكريم: سورة النساء، الآية 6.
[46] – البخاري، محمد بن اسماعيل: صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت، 1996، حديث 1322.
[47]– وهو عبارة عن مال نقدي أو عيني يدفعه الزوج إلى زوجته عند إجراء صيغة عقد الزواج، وهو يقسم عادة إلى قسمين: معجَّل، ويدفع عند العقد. ومؤجل، ويدفع عند أقرب الأجلين (الموت أو الطلاق).
[48]– مطهري، مرتضى: نظام حقوق المرأة في الإسلام، م.م، ص 170 و 172.
[49]– مطهري، مرتضى: نظام حقوق المرأة في الإسلام، م.م، ص 110.
[50]– ديورانت، ول: قصة الحضارة، ج1، دار الجيل، بيروت، 1988، ص 70.
[51]– وهو الإمبراطور فلنتانيان الأوّل الذي حكم روما بين العامين 321 و375 ميلادي.
[52]– مونتسكيو، شارل: روح الشّرائع، ج1، اللجنة الوطنية اللبنانية للتربية والعلم والثقافة (الأونيسكو) بيروت، 2015، ص451.
[53]– م.ن، ص458.
[54]– مونتسكيو، شارل: روح الشرائع، م.م، ص 450.
[55]– مطهري، مرتضى: نظام حقوق المرأة في الإسلام، م.م، ص 285.
[56]– القرآن الكريم، سورة التكاثر، الآيتان 1و2.
[57]– القرآن الكريم، سورة فاطر، الآية 18.
[58]– تؤكّد هذه الأرقام الإحصائيات التي أجرتها منظمة الأمم المتحدة في كل من: بريطانيا، فرنسا، المانيا، بولندا، رومانيا، الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، اليابان، وغيرها. ففي كوريا الجنوبية على سبيل المثال، وتحديداً في إحصاء العام 1964 تبين أن مواليد الذكور تزيد على مواليد الإناث بـ 12943 نسمة، لكنّ الذين تتراوح أعمارهم بين سن ال20 وال24 عاماً، فإن الإناث تزيد على الذكور بـ 26687 نسمة. نقلاً عن مرتضى المطهّري، نظام حقوق المرأة في الإسلام، م.م، ص 289.
[59]– مطهري، مرتضى: نظام حقوق المرأة في الاسلام، م.م، ص 287.
[60]– بتاريخ 29-9-2013 ، نظم الآلاف من النساء في نيجيريا مظاهرات ضخمة استمرت لمدة ثلاثة أيام للمطالبة بتعدد الزوجات، حتى أصدر مفتي الدولة النيجيرية فتوى تعدد الزوجات مع مكافأة مالية من بيت الزكاة لكل من يتزوج بأكثر من واحدة، وبذلك تم تزويج 4654 امرأة خلال أسبوع. المصدر: موقع aldyarlondon.com تاريخ الزيارة 17-2-2018. وبتاريخ 14-1-2014 تظاهر آلاف النسوة في تونس العاصمة مطالبات بتعدد الزوجات بعدما أكدت الإحصائيات وجود 114 الف امرأة تونسية دون زواج. المصدر: alssbahnews.tn تاريخ الزيارة 17-2-2018. وفي السويد وتحديداً بتاريخ 18-5-2014 نظمت تظاهرة نسائية حاشدة جابت شوارع ستوكهولم مطالبة بتوفير أزواج بعدما أظهرت آخر الإحصائيات ارتفاع نسبة الإناث مقارنة بالذكور في شمال أوروبا عموماً. المصدر: موقع faroukit.blogspot.com تاريخ الزيارة 17-2-2024.
[61]– ديورانت، ول: مباهج الفلسفة، م.م، ص91.
[62]– مجلة “المرأة اليوم” الايرانية، نقلاً عن: مطهري، مرتضى: نظام حقوق المرأة في الاسلام، م.م، ص301.
[63]– م.ن، ص 303.
عدد الزوار:170